لا غرابة أن تسمع أو تعرف عن الحياة كل ما يقال فيها من صفات تتعارض وتختلف، فالحياة وإن تنوعت موجوداتها وأحداثها لا تقيّم أو توصف على هذا الأساس فقط، وإنما وفقما يثور في نفس مقيمها أو المتأمل فيها من مشاعر، وجوهر كل المشاعر وأساسها في نفوس الناس هو الحب أو الكره، فهما المحركان الأساسيان لكل المشاعر التي تفيض بها النفوس، والداعمان الأساسيان لكل قوى الحركة وطبيعتها، والمتحكمان في السلوك والنظرة للحياة ومتغيراتها وفي كل المفاهيم والقيم التي تحكمها، فهي قد تكون تلك الحياة البائسة المحملة بكل أنواع الشقاء، أو هي تلك الحياة السعيدة المليئة بكل أطياف السعادة والفرح، وهي أيضاً قد تكون كل ما يطلق عليها من صفات أخرى تتمثل بين هذا وذاك بغض النظر عن حقيقتها أو طبيعتها وإنما بحسب ما تخبره كل نفس أو يمسها مما تحب أو تكره، وعلى هذا يكون القياس عند تقويم أو الحكم على أي أمر من الأمور، فنحن في كل الأحوال لا ننظر للأمور ولا نثمنها على قدر طبيعتها وواقعها، لكننا نربطه دون تحكم منا برغباتنا ومشاعرنا ليصدر حكمنا في أساسه مما يعمر في نفوسنا من حبنا له أو عدمه حتى وإن بلغنا بقولنا بالحيادية أو جاهدنا في عزل مشاعرنا، فيؤثر هذا دون شك تأثيراً مباشراً على ناتج تقويمنا أو تثميننا لما نصادفه من أمور مختلفة في حياتنا، فالموضوعية التي يتكلم عنها الناس وهي بتعريفها البسيط البعد عن المؤثرات الشخصية، لا يمكن أن تتحقق بنسبتها الكاملة، كأن نحكم على أمر دون أن نعمل مشاعرنا فيه، فما يختبره الناس أو يعايشونه لا بد وأن يمس مشاعرهم ورغباتهم شاءوا أم أبوا، ويرتكز في أساسه على ما يحبون أو يكرهون، فيحدث هذا التماس أثراً وإن بسيطاً على نظرتهم العامة للأمور، وهذه طبيعة بشرية لا يمكن التخلي عنها ولو حرصنا، والتي تجعل فينا وبيننا هذا الاختلاف والتباين على أمر واحد نعيشه في وجهات النظر وفي تثمينه وتقويمه، الشاهد على ما أزعم أن الله سبحانه وتعالى منّ على عباده المؤمنين بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان في إشارة واضحة أن الأمور كلها تقوم في نظرتنا لها وتعاملنا معها وحرصنا عليها على ما نشعر به من حب أو كره تجاهها، هذا جانب.. الجانب الآخر أن حبنا أو كرهنا للأمور قابل للتغير بحسب طبيعة نفوسنا المتغيرة في رغباتها وهواها، فما نحبه اليوم قد لا نحبه غداً وما ننتقده اليوم قد لا ننتقده غداً والعكس صحيح، فادعوا معي مقلب القلوب والأبصار سبحانه أن يثبتنا على ما يحب ويرضى.. والله المستعان.