وجدت من التفاعل مع المقال الذي كتبته قبل أيام بعنوان (بدر أحمد البدر - رحمه الله)، ما أكَّد لي أن الموت هو الواعظ الأكبر لأصحاب القلوب الحيَّة من البشر، وفرحت بما تلقيت من رسائل القراء الكرام تعليقاً على ذلك المقال، لما وجدت فيها من أدعية صادقة بالرحمة للفتى الراحل ولجميع موتى المسلمين.
كانت رحلة بدر عن الدنيا بعد زواجه بشهر وأيَّام، وقد ودَّع زوجته مشاعل وداعاً أخيراً، ولكنها لم تكن تعلم وهي تودِّعه أنه الأخير، سافر وفي قلبه وقلب زوجته أملٌ في لقاء قريب، ولكنَّ قضاء الله أمضى، ومن ذا الذي يرد قضاء مولاه.
كانت الصدمة كبيرة على كلِّ من يعرف بدراً من الأهل والأصدقاء، ولا شك أنَّ الصدمة كانت أشدّ على زوجته التي بدأت معه رحلة الحياة الزوجية بداية موفقة مباركة، كانت أشدّ على قلبها لأنها فتحت نافذة الأمل معه في حياة زوجية قائمة على المودة والرحمة والتقوى.
وهنا تأتي قيمة الصبر والاحتساب، ويأتي عظم الأجر من الله لعبده الصابر المحتسب (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، من الذي يُعلن هذه البشارة؟
الله سبحانه وتعالى يأمر رسوله عليه الصلاة والسلام أن يبشِّر الصابرين، وبشارة إلهية تأتي بهذه الصورة الواضحة تستحق من أهل الإيمان الاهتمام والعناية الكبيرين، لأن المبشِّر هو الله سبحانه وتعالى، وما أعظم بشارة يبشِّر الله بها عباده الصالحين الصابرين المحتسبين.
صبراً يا (مشاعل) فإن المؤمن يرجو من وراء صبره خيري الدنيا والآخرة، وما أظنك نسيت الدعاء المأثور في مثل هذه المواقف: (اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيراً منها)، لقد دعت به أم سلمة، وتوقفت عند قولها (وأخلفني خيراً منها) قائلة: قلت في نفسي من سيكون خيراً من أبي سلمة، ثم عوَّضها الله بأن جعلها من زوجات محمد صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين.
أعلم أنَّ رحيل الأحبة ثقيل، وأنَّ الأقدار المفاجئة تهزّ مشاعر الإنسان هزَّاً عنيفاً، ولكنَّ المؤمن يتعلَّق بالله سبحانه وتعالى، ويصبر ويحتسب ويعلم أن كلَّ شيء في هذه الحياة بمقدار، لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زوجاته الطاهرات، وأصغرهن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، لقد مات عنها حبيبها محمد عليه الصلاة والسلام وهي أصغر سناً منك يا مشاعل فاحتسبت وصبرت، وحظيت بالبشارة الإلهية للصابرين.
إنَّ الإنسان المؤمن بالله تعالى يستذكر حالة الموت دائماً، لأنه يعلم علم اليقين أن لكل إنسان في هذه الحياة عمراً محدوداً، وأجلاً لا يتجاوزه، ولقد عزَّيت رجلاً أعرفه، في ولده الذي لا يتجاوز عمره اثنتين وثلاثين سنة بعد عزائي في بدرٍ -رحمه الله- بيومٍ واحد، وتوقَّفْتُ حينها متأملاً في قضاء الله وقدره، لقد مات بدر في حادث سيارة، ومات أحمد ابن هذا الرجل في فراشه - رحمه الله -، لم يكن يشكو من مرضٍ أو ألم، ولكنه الأجل الذي لا مناص منه، كان يحدث أباه الأستاذ عبدالهادي وهو بكامل صحته، وفوجئ به أبوه وقد تغَّيرت ملامحه، ثم مات، نعم مات وهو في صحة كاملة، وهكذا تتعدد الأسباب والموت واحد، فسبحان الحي الذي لا يموت.
إشارة:
اللهم اجعلنا من الصابرين، ولا تحرمنا أجر المحتسبين.