Al Jazirah NewsPaper Tuesday  26/08/2008 G Issue 13116
الثلاثاء 25 شعبان 1429   العدد  13116

أهلاً.. رمضان
خالد عبدالعزيز الحمادا

 

مرحباً بك يا ضيفنا الكريم.. يا شهرنا العظيم.. أهلاً بمقدمك ويا سعدنا بمجيئك.. ويا سرورنا بتشريفك.. ها هي الكلمات أجمّلها وأزينها وها هي العبارات أنمقها واجتهد في تنسيقها وها هي الحروف أعدها لعلها تليق أن أحييك بها رمضان يا شهر الإيمان والخير والبركات.. رمضان.. نسأل الله أن يبلغنا إياك وأن يوفقنا ربنا لصيامك وقيامك وأن يجعلنا فيك من المقبولين.

رمضان أقبل فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أحجم.. في رمضان تعود النفس إلى طبيعتها الخيرية وتهدأ وتسكن لأنه شهر تفتح فيه أبواب الخير وتغلق فيه أبواب الشر تصفَّد فيه الشياطين وتزيَّن فيه الجنان.. والنفس عندما تمسك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات تضعف فتضعف نزغات الشر وإذا كان الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم كما ذكر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فإن جريانه في رمضان يكون ضعيفا وكذلك تأثيره يكون هزيلاً ولا يعني أن الشر وخطوات الشيطان تختفي في رمضان وإنما تضعف وتقل.. بل هناك من استنفره الشيطان قبل رمضان ليلهي الناس ويفسد صيامهم بالبرامج الفاسدة الهابطة.. فالشيطان وساوسه ونزغاته مستمرة في رمضان وسائر الشهور إلى يوم يبعثون وهذا من الابتلاء والامتحان لعباد الله الصالحين.. لكن عندما تسلسل وتصفد الشياطين تتحرر النفس قليلاً وتزول عنها كوابح وموانع الخير فتقبل على الخير وتعود إلى سجيتها وطبيعتها الخيرة وفطرتها السليمة التي فطرها الله سبحانه وتعالى عليها. رمضان يقترب منا الآن والمسافة الزمنية بيننا وبينه أيام معدودة - نسأل الله أن يبلغنا إياه - فلماذا لا نجعل منه فرصة سانحة للتغيير {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فهناك من ابتلي بمعاصي وذنوب وترسخت في شخصيته عادة فاسدة كبَّلته ولا يستطيع الفكاك منها فرمضان فرصة عظيمة للإقلاع من هذه الذنوب وترك هذه المعاصي والتوبة منها والندم عليها ومفارقتها إلى غير رجعة فالجو ملائم والروحانية عالية والمعاني الإيمانية في هذا الشهر مرتفعة والعادات المتجذرة في النفوس لا يمكن الخلاص منها بسهولة فشهر رمضان قد يساعدنا بنسبة كبيرة إلى تغييرها لأنه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.. شهر إجابة الدعاء فليلجأ المسلم إلى ربه بالتذلل والتضرع والدعاء لعله أن يرحمه ويبدِّل حاله إلى الأفضل والأحسن.

عندما العيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء قد نفر من فوق ظهورها - إن سمح لنا شاعرنا العربي ببعض التحريف - وينقطع بها الطريق وتتيه في الصحراء وعندما شارفت ومرتحلوها على الهلاك فجأة هديت إلى جنة خضراء تسكن وسط الصحراء أنهارها تتدفق وثمارها يانعة متدلية من أشجارها الظليلة الخضراء أضف إلى هذا جنبات النهر المحفوفة بأنواع الزهور والورود وكذلك سمفونية الأصوات العذبة التي تصدرها الطيور وهي متنقلة بين أشجار وجنبات هذه الجنة المورقة الخضراء هذه الجنة قد تكون من ضرب الخيال في صحارينا القاحلة لكن ما ظنك بهذه القافلة وقد أضناها المسير وشارفت على الهلاك هل ستتجاوز هذه الواحة بالطبع لن تتجاوزها بل ستسكن هناك وستشرب وتروي ظمأها وظمأ نياقها وستأكل من الثمار ولن تعزم على الرحيل حتى تملأ مزاودها من خيرات ونعيم هذه الجنة وستفارقها وتودعها وهي حزينة ومتألمة.. أظنك فهمتني وأدركت أن هذه هي حال المسلم مع رمضان فنحن في هذه الحياة مسافرون وكل يوم يودعنا نستنفد فيه زمننا ونقترب فيه من نهاية رحلتنا ورمضان موسم عظيم وشهر مبارك شُرِّع لنا كي نستغله ونستثمره ونجعله فرصة للتزود من الخير والعبادات والإقبال على الله فنحن أمة أعمارنا قصيرة بالنسبة للأمم الأخرى السالفة ولكن ربنا بارك لنا في الأعمال والأوقات ولذلك شرع لنا هذا الشهر الذي فيه ليلة خير من ألف شهر.

(بئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان) حديث عظيم المذموم فيه الفئة التي تقبل على الله في رمضان وبعد أن يرحل رمضان تعود إلى غيها وفسقها وكما قال الشاعر:

رمضان ولى هاتها يا ساقي

مشتاقة تسعى إلى مشتاق

فهم تصوروا أن ربنا يعبد فقط في رمضان وبعد أن يودعوا موسم الخير يعودون إلى عبثهم ولهوهم وما علموا أن المسلم مستعبد في جميع الأوقات {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ.. الآية} فالمسلم في جميع حالاته وهيئاته وأوقاته يعبد الله ويذكر ويسير في طريق الله {ففِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} وربنا رب الشهور جميعاً ويرقبنا في لحظاتنا وتصرفاتنا.. فعلينا إخوتي أن نقبل على الله في رمضان وأن نستمر على ذلك بعد رمضان ولا نعود إلى ذنوبنا ومعاصينا وأن نجعل من رمضان فرصة للمغفرة والرحمة (فرغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له) دعا بها جبريل عليه السلام وأمن عليها محمد صلى الله عليه وسلم.

Alhamada@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد