أدت التطورات الاقتصادية الحديثة إلى تغيير في كثير من المفاهيم الاقتصادية فقد اختفى ما يسمى بالاقتصاد المخطط الذي كان يرتكز في المقام الأول على وجود أنظمة ديكتاتورية للحكم تقوم بتخطيط وتوجيه الحياة الاقتصادية، وقد ظهر ما يسمى باقتصاد السوق الذي يقوم على الديمقراطية في شتى مجالات الحياة الاقتصادية، ويلاحظ أن كلا من التوعية والتخطيط شهدا تدخلا من الحكومة ولكن بدرجات متفاوتة حيث إن الاقتصاد المخطط يرتكز أساساً على تدخل الحكومة، وكان يشتمل على كثير من عناصر اقتصاد السوق، أما اقتصاد السوق فإنه لا يخلو أيضاً من التدخل الحكومي وذلك في صورة وضع القوانين والتشريعات القانونية الخاصة بالنواحي المالية والتجارية.
وفي هذه الأثناء ومع التطور الكبير الذي شهدته الحياة الاقتصادية كان من الضروري الاعتماد على نظام اقتصاد يستطيع الصمود أمام التيارات العنيفة لنظام التجارة الدولية الجيد حيث يعتمد ذلك النظام على مبادئ لم تكن موجودة من قبل تدعو إلى تحرير التجارة الدولية بإزالة جميع المعوقات الجمركية والتشريعية والإدارية التي تعوق انسيابها ضمن المنظومة العالمية الأمر الذي يدعو بالطبع إلى تقليص درجة التدخل الحكومي في الحياة الاقتصادية، ويكون دورها إشرافياً فحسب مما أدى إلى ظهور ما يسمى باقتصاد السوق.
ويقصد باقتصاد السوق ترك السوق تتصرف طبقاً لقواعد العرض والطلب دون أي تدخل من الحكومة مما يؤدي إلى نتائج جيدة وملموسة بالنسبة للمستهلكين والمنتجين على السواء حيث سيؤدي ذلك إلى إشباع الاحتياجات الأساسية للمستهلكين ومن جهة أخرى سوف يحقق المنتجون أرباحاً مجزية من وراء ذلك في ظل الاستخدام الأمثل للموارد مع كفاءة تخصيصها.
وقد أرجعت الكثير من الدراسات الاقتصادية المتخصصة أن اقتصاد السوق يحتاج إلى معايير دقيقة تكون واجبة الاستخدام تعمل جنباً إلى جنب مع تفاعل قوى العرض والطلب ولعل من أهم تلك المعايير ما يلي:
- عدم التدخل بتحديد الأسعار ويترك لذلك العرض والطلب دون التدخل فيه.
- حصول الأفراد على الحرية الكاملة في الانضمام إلى مختلف أشكال النشاط الاقتصادي.
- عدم التدخل في الحرية الخاصة للأفراد الخاصة بامتلاك وسائل الإنتاج وذلك بغض النظر عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
- حرية انتقال وتدفق المعلومات.
- حرية الدخول والخروج في الأسواق.
- أن يتم الحفاظ على المنافسة دون وجود احتكار أو أي نوع من أنواع تقييم التجارة والأسعار.
- أن يقتصر دور الحكومة على تنظيم ومراقبة الأسواق بشكل يحمي الأفراد والمؤسسات من بعض الممارسات غير المسؤولة.
ومن خلال التجارب السابقة يتضح أنه لا غنى عن وجود الحكومة في نظام اقتصاد السوق فدورها هام وحيوي خاصة في مسألة بناء الإطار الذي تتفاعل فيه بكفاءة كل من قوى العرض والطلب والمواقف التي تجعل قوى السوق غير قادرة على العمل الأمر الذي يعوق وصول المخرجات إلى المنتجين والمستهلكين على السواء.
ويتمثل دور الحكومة الرئيسي في نظام اقتصاد السوق فيما يلي:
1) التحكيم: ظهور وتزايد حالات الغش التجاري التي تدعو إلى وجود قوى حقيقية تكون لها سلطات واجبة النفاذ ولها السلطة اللازمة لردع هذه الفئة، وذلك لكشف حالات الغش والتزوير لحماية حقوق المنتجين والمستهلكين والتحكيم في المسائل التجارية بينهم.
2) تنظيم المنافسة بين المنتجين:
عند حدوث احتكارات للسلع من جانب بعض المنتجين فإن الأمر يستلزم وجود هيئة أو منظمة حكومية تتدخل لمنع مثل هذه الاحتكارات وذلك حتى لا يحدث زيادة في الأسعار ونقص في السلعة نفسها، وبالتالي يكون من الضروري تدخل الحكومة من خلال وضع القواعد واللوائح التي تمنع المحتكر من استغلال المستهلكين.
3) العمل على إزالة المعوقات والتعقيدات الروتينية:
وهو دور مهم للغاية في ظل عالم يتطلب سرعة في الأداء وفي إنجاز الأعمال خاصة الأعمال التجارية، فالعالم الآن يتحدث بلغة التجارة والمصالح وتعطيل تلك المصالح يعني تعطل الحياة الاقتصادية التجارية الأمر الذي من الممكن أن يسبب خسائر فادحة.
4) العمل على حماية حقوق الملكية:
للحكومة دور كبير في هذا الأمر حيث إن وجود نزاع بين الشركات الكبيرة حول حقوق الملكية يكثر من المجالات التي من أهمها العلامات التجارية التي تجعل من الصعب على المنتجين العمل في مناخ للأعمال لا يسوده الأمان مما يؤدي إلى زيادة معدلات الفساد وبالتالي عدم ازدهار قطاع الأعمال الخاصة الذي تعول عليه الحكومة الكثير من الآمال للنهوض بالحياة الاقتصادية. ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر أن للمؤسسات والشركات دوراً مُكملاً لدور الحكومة في هذا الموضع حيث من الممكن أن تلعب هذه المؤسسات دوراً كبيراً عن طريق المبادرة والمشاركة والالتزام بالتشريعات والقوانين التي تعمل في اتجاه توطين نظام اقتصادي حُر يُعنى بالدول النامية والأقل فقراً عن الأنظمة الاقتصادية الموجهة التي سلبت كثيراً من الحقوق وأعيتها بكثير من الواجبات.
e_mail: asa5533@hotmail.com