نحن لسنا ملائكة بل بشر نصيب ونخطئ، نجتهد كثيراً ونفتر أحياناً فالله سبحانه يقبض ويبسط، ونحن وقلوبنا وما يعمر في نفوسنا بين هذا وذاك نراوح، هذا أمر لا يخفى على عاقل، فالناس وإن حرصوا عرضة لزلل أو خطأ أو نقص يصيب أعمالهم، لا يحصد الكمال إنسان فالكمال المطلق للواحد الأحد سبحانه.
أقول هذا وأنا أقرأ بعض ما ينشر في صحفنا من نقد لأمور نالها قصور أو لم تكن كما ينبغي أن تكون، والتي يغلب عليها تهكم الناقد وبسطه لمهاراته في اختيار اللفظ الذي يثير الناس ويرفع من قدره هو على رغبة الإصلاح والتصحيح. والمبالغة في تفنيد الأمور فجور لا ينبغي لنا أن نسلكه إن كانت غاياتنا تقويم ما اعوج أو المناصحة في أمر حاد عن مساره.
لغالبية الناس ألف وجه ووجه، يخادعون غيرهم بها ويضللونهم للوصول لغايات يبتغونها، وجه سمح للمناسبات يكتسي بكل أنواع الابتسامات، ووجه يقنعك بصدق نوايا صاحبه ويستمليك للوثوق به، ووجوه أخرى لكل حال، كلها على تباينها وحجم الضرر منها يمكن أن نتعايش معها، وربما وجدنا مبررات وإن واهية لمن يتلون بوجهه بحسب تلون الحال والظروف، لكن أقبح الوجوه على الإطلاق ذلك الوجه الذي تستر به صاحبه وهو ينتقد الوطن للوصول لغايات شخصية، ولينال التصفيق من أناس لا يطربهم أمر غير المساس بوطننا وتضخيم سلبياته، فيتمادى وهو يجد عباراته يتناقلها موقع الإنترنت، وتتجمع حولها ملاحظات ومداخلات من أعمى الله قلوبهم فلم يجدوا في وطنهم غير أمر بسيط تربصوا له وضخموه وبالغوا فيه ونشروه لكل الناس تحت ظاهر النقد والإصلاح.
أنا لا أدعي كمال ما يحدث في واقعنا، ولا أعيب من يكتب مخلصاً ومتأدباً في عباراته وأسلوب كتابته ليشارك في تصحيح الأمور، لكنني أعيب هذا الذي يتغنى ببعض أوجه القصور لدينا، ويفجر في وصفها والمبالغة فيها ويتمادى بكلماته ليعجب الناس بما يكتب ويرددوا عباراته، ويحقق ما يعتقد أنه غاية تعزز مكانته بين الناس، فتغلبه هذه على غاية الإصلاح والتقويم.. والله المستعان.