الإنسان والتاريخ قرينان تستضيفهما الحياة إلى حين، والمعنيّ بالتاريخ ذلك الذي يخصّ كل إنسان بنفسه، وإن كان ثمة رابط أو مؤثر على الإنسان من حركة التاريخ بشكلٍ عام.
فالإنسان تاريخٌ يسجل مسار حياته بالخبرة والتجارب
فيما بين الخطأ والصواب، فلو نطق التاريخ الخاص بأجدادنا ممن رحلوا إلى حياة الخلود لتعلمنا مباشرة منه وليس بالرواية أو النقل المضطرب.
فأحياناً نبحث في عدة مصادر عن تاريخ رجل مشهور بأثره على الحياة، ومع ذلك نجد بعضاً من التناقض فيما يروى عنه، أو فيما يروى عن تاريخه، وإن كان المطلب قريباً قد نكون ممن عايش وجوده وبعضاً من مآثره وما أنجز، فالمهاتما غاندي يروي مَن عاصر زمانه غير ما نقرأ في الكتب، وكذلك جواهر لال نهرو، أو طاغور، وغيرهم كثير، وسيمضي زمنٌ قبل أن يتكشف تاريخهم على حقيقته، كما أنّ فضول المعرفة يدفع بنا ما نتمنى معه معرفة شيء عن حياته الخاصة بما في ذلك علاقته بالأشياء المعتادة والمتعددة، وكذلك برنامجه اليومي وفق تصور كل منا، وربما أنّ الدافع لمثل هذا المطلب أنه ماضٍ ولكل منا ماض يودّ مقارنته بغيره والتعلم من عبرته، فكلٌ منا مشدود لماضيه حيث الحاضر والمستقبل شاغله يحاول معه أن يتجنب عثرات مضت، وأن يعيد صياغة الأمل ووسائل تحقيقه.
وربما أن تفكير البعض منّا في الماضي مبالغٌ فيه إلى درجة تضيع من يده العناية بحاضره أو الاستعداد لمستقبله، فالإنسان يبحث عن ذات مضى زمانها وولى، وهو الذي يتصور أن ذاته اليوم قد تأثرت سلباً ببعض من خبرات وتجارب الماضي، وهذا أمرٌ صحيح إلا أنّ المبالغة أو التجاوز هو أمرٌ غير صحيح، فضلاً عن الإمكان الذي كان بحوزته واليوم نالت منه السنون، فهو نادمٌ، والبعض لا يتذكر بالتمني من ماضيه إلا ما يتعلق بالعمر على الرغم من أنّ كل مرحلة من العمر لها طابعٌ لا يخلو من الجمال، فالحياة بمباهجها تمنح كل عمر بهجته إذا ما اعتدل الميزان الذي به يقيس أحدنا مراحل العمر برصيدها من الخبرة والتجارب، وكذلك الأفراح والأتراح، ولاسيما ذلك الذي يحتل الأولوية من أهدافه قديماً وفي حاضره، وأعني المزيد من الإشباع الروحي وإصلاح ما اعوج من هذه المسيرة لأنه شديد الإيمان بحياة غير ما جرب من حياة، وبوجود مختلف.
إنّ تجربة الإنسان مع الحياة العابرة به إلى حياة أخرى مهما بلغت تزنها وتقف بها عند حدودها سنن الحياة ومصير الإنسان معها.
إنّ هبة الحياة تحتم شيئاً يشدنا لها بما مضى منها وما هو حاضر أو قادم، وهذا كله والإنسان يشكو من كبد الحياة وقهر السنين، ولو حاكمنا التاريخ لأظهر ازدراءه بالنفس الأمارة بالسوء، ومجّد الضمير وانحاز إلى النفس المطمئنة، وهذه إشارة تؤكد أنّ الماضي جزء مهمٌ من حياة كلّ منّا؛ فلا حاضر يتطور بدون عبرته، ولا مستقبل نأمله بدون لمسات من الماضي ودافع يدفع به من معطيات الحاضر.
إنّ الحياة بمعادلاتها وسننها نافذةٌ؛ فلا قدرة لنا مع قدرة الأقوى عزيز الجلال، فالسنن والقوانين سُخرت لتحمل سمة كل عصر، فهو مقيدٌ بها خاضع لما تدفع به، فلا مجال للانبهار، أو التعجب، فالتطور من سنن الحياة وليس من سننها قتل الحياة، وفي اعتدال الإنسان وهو يستعرض كل فترة من فترات تاريخه الخاص ما ينصف القراءة ويغني التقييم لهذا التاريخ، فلا يعطي للحدث ما يتجاوز طبيعته وحقيقته، حينها ستتراكم الأخطاء من حول الذات ويضيع هدف العبرة ومحاولة إصلاح بعض من تاريخه أو مراجعة كبواته كما لو كان معنياً بدراسة عامة لا تخصه، والحذر البُعد عن أي شطط أو زلل، وفي الانحياز ما سيخطئ معه الطريق، وستكون النتيجة من الفراغ وإليه. ولنتيجة أفضل وتفاعل أجدى مع تجارب وخبرات الحياة فإن محاولة كتابة الممكن من الماضي بغرض المراجعة ومزيد من التحليل ستؤدي إلى مواجهة النفس واستنتاج مكمن القوة والضعف لحلقات من الماضي وأحداثه.
والمحصلة أنّ معجم الإنسان ما رصده تاريخه الخاص، وما أحاط بهذا التاريخ من تاريخ عام، كما أنّ هدف هذه الإشارة دعوة إلى الإنصاف والالتزام بالمصداقية في القراءة والتحليل.