الرياض - خاص بـ(الجزيرة):
دعا فضيلة الشيخ صالح بن غانم السدلان عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المسلمين إلى الاهتداء بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في شأن ليلة القدر، وفضلها، وأوصافها، وعلاماتها.. والابتعاد عن الروايات والحكايات التي تتناول هذه الليلة التي لا سند لها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ولا في هدي السلف الصالح.
جاء ذلك في حديث لفضيلته عن ليلة القدر وفضلها، وخيرها، وأجر العمل فيها الذي يتجاوز عمل المسلم في أكثر من ألف شهر.. وقال استهلالاً لذلك: يجب علينا أن نقتصر في ليلة القدر على ما جاء في القرآن العظيم، وفي السنة المطهرة، والقرآن وصف هذه الليلة بأوصاف عظيمة، فقال جل وعلا: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} - أي القرآن - {فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} يعني ابتدأ نزول القرآن في ليلة القدر، أو أُنزل القرآن كله في ليلة القدر إلى بيت العزة، والصحيح الأول، أنه ابتدأ الوحي على محمد- صلى الله عليه وسلم- في ليلة القدر بعدما مضى عليه ستة أشهر وهو أنه كان يرى الرؤى في المنام فتأتي مثل فلق الصبح حتى ابتدأه الوحي، وجاءه وهو في غار حراء، جاءه جبريل - عليه السلام - فضمه إلى صدره وضغطه وقال: اقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ، يعني ما أنا بمتعلم ولا قرأت، ثم ضمه الأخرى فقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فضمه الثالثة وقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، هذه أول آية طرقت سمع النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه الصفة نثبتها بهذا النص: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، ثم بدأ بسياق تعظيم هذه الليلة، فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا}، وهذه حالة ثالثة، وصفة ثالثة أنها تتنزل فيها الملائكة والروح، أي برئيسهم.
واسترسل فضيلته قائلاً: والروح هو جبريل - عليه السلام - {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}، أي نزولهم إلى الأرض بإذن ربهم من كل أمر، بل أمر الله لهم بأن ينزلوا إلى الأرض ويملؤوها في تلك الليلة، ويكونون مع القائمين، والراكعين، والساجدين، ومع الذاكرين لله - جل وعلا -، ومع المتهجدين سواء كانوا أفراداً أو جماعات، {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ}، أي هذه الليلة سليمة من نزول ما ينافي السلام، وما يتنافى مع الهدوء، وما يتنافى مع كل ذلك، {سَلَامٌ هِيَ}، أي هذه الليلة {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أي حتى يطلع الفجر، وهو ابتداء الصباح.
وأبان فضيلته أنه جاء في الأحاديث عن هذه الليلة، أن الله - جل وعلا - يفرق فيها كل أمر حكيم، كما قال في موضع آخر: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
وأشار الشيخ السدلان إلى أن الحكايات، والكلام في هذه الليلة كثير، لكن لا يرفع منه شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إني رأيت اني أسجد في ماء وطين من صبيحتها) هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل مطر ووكفت المسجد في موضع سجود النبي صلى الله عليه وسلم فكان في جبهته وأرنبة أنفه شيء من الماء، أو شيء من الطين، فرآه الناس، وتكلم الناس في ذلك اليوم، وفي تلك الليلة انها ليلة هادئة، ولعلها تؤخذ من قوله سلام، وأنها لا تنبح فيها الكلاب، ولا تنهق فيها الحمير، وأنه، وأنه من الكلام الكثير، لكن لا يرفع منه شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال: لذا فإن الإعراض عن هذا مطلوب، وقولهم: إن ليلة القدر ليلة مضيئة، وأن فيها أنوارا، هذا تحسس من الذين ينتبهون في تلك الليلة والله أعلم بصحة ذلك، وأما أنه يفتح أبواب إلى السماء، باب من النور يفتح من السماء إلى الأرض فهذا أيضاً لم يرفع منه شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما حكايات وتحريات وتوقعات من بعضهم، وليس هذا لكل الناس، وليلة القدر ليست لأحد دون أحد بل لجميع المسلمين، وعائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أقول إن وافقت هذه الليلة؟، قال: قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني)، فلذا فإنه ينبغي للمسلم أن يكف عن مثل هذه الحكايات، وأنها حكاية إما مخترعة، ومكذوبة، وإما من الذين يتخيلون ويتحسسون ويكون لديهم تحسس، فإن الإنسان لو تحسس أنه يسمع صوتاً يتردد ويتحسس ويتحسس لوجد انه يسمع صوتاً، ولو تحسس أنه يرى أجساما بعيدة هناك تتحرك يميناً وشمالاً لوجد أيضاً هذا الشيء، وأن الإنسان إذا كان خائفاً ساكناً جالساً في بيته ثم تحسس وخاف، فإنه يحس أن النوافذ تتحرك والأبواب تتحرك والأصوات تُسمع، وهذا كله مجرد تحسس لا حقيقة له.