اللهم رحمتك نرجو ونخشى عذابك، الحياة بإيقاعها وضغوطها ونفوس البشر المختلفة قد تضعك في مآزق مختلفة وعديدة، ولكن أين هم من قال عنهم الهادي البشير عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (ليس القوي بالصرعة إنما القوي من يملك نفسه عند الغضب) صدق نبي الرحمة.
صورة مشطورة طُبعت أمامي لا تبرح مخيلتي أقلقتني وأراقت دمعي فكفكفته. وكلي ألم وحسرة.
صف طويل في رمضان أو غير رمضان في محل بائع الفول، الجميع مجهد تعب ينتظر دوره، أجناس مختلفة من جميع الأقطار، يحكمنا شيء واحد الدين.. ووحدة الدين تكمن في التعامل الحسن والسلوك السوي فلا فرق بيننا إلا بالتقوى.
يتقدم رجل في العقد الرابع يتكئ على عصا يدفع بورقة وضعت أمامه.. يحركها إلى الوراء ويضع ورقته قبلها..
الورقة لشاب بسيط الحال أغلب الظن أنه باكستاني، فيتعجب الشاب من ردة فعل الرجل. وحين يتساءل عما فعله يرد بفظاظة: (أنا سعودي).
سأتوقف هنا عند الجملة التي رددها رجل من المفترض أن يحترم نفسه أولاً ودينه ثم بلده لأنه واجهتها!
يتعجب الشاب الغريب من ردة فعل الرجل: فيرد إليه بكلمات وهل هذا يعطيك الحق في أن تدفع بورقتي للوراء؟
تتعالى الأصوات ويفقد كلاهما أعصابه يتدخل البعض لفض الخلاف..
يلقي الرجل الموقر بكلمات جارحة ربما نابية... أما الشاب فلا يلفظ بكلمات يأخذ طعامه ويخرج من الباب مسرعاً كي لا يحرقه شرر الغضب، يتوجه إلى عربته.
يمضي لحاله يفكر يحادث نفسه، يلومها هل أخطأ في حق غيره لكنه لم يجد إجابة لتساؤلاته كلها سوى أنه ليس من الوطن.. يحمل نفسه المشتتة.. يمضي إلى حيث لا يعلم يتمتم هذا ديننا الذي هذبنا في خلقنا وسلوكنا صحح أخطاءنا..
هل شيء في الدين يفرق بين الأجناس؟
هل هناك شيء فيه أنت وأنا؟
قال بصوت متحشرج: ما تعلمته في بلدي عن ديني الإسلامي لهو مختلف عما أراه وأسمعه.
تعلمت أن هناك خلق وتسامح وفضيلة، تعلمت أن ديننا الحنيف يهذب الخلق، ويحترم الكبير ويعطف على الصغير. تعلمت أن هناك إيثار وحب.. تعلمت أحاديث كثيرة عن الرسول عليه السلام تحبب الأخ في أخيه.. ولكن لم أتعلم في صفحات الكتب التي قرأتها عن التعالي والكبر والاحتقار والتقليل من شأن الآخرين!!
* فمتى نرتقي ونحن نتدافع في الأماكن العامة دون احترام لبعضنا وكلٌ منا يأخذ دور غيره بقوة الجبر والتعنت، وندعي أننا وطن حضارة ودين.
* ولا عجب ونحن نقيس المسافة التي تفصلنا عن الآخرين ونراهم من مجهر الدونية، والتعالي ولا نطبق مبدأ الخلق والسماحة، بل ننهج منهجاً واحداً أنا ومن بعدي الطوفان.!
* ما أكبر صرح تلك الحضارة ونحن نعزز ونتعلم ونعلم صغارنا ونرسم لهم شعارات باهتة (الحب والعطاء)، كما الأنا نمارسها بحذافيرها دون مراعاة لمشاعر الغير ونأخذ ولا نعطي والسائد قوة الذراع.!
ما أروعها من حضارة ونحن نعترض الطريق ونتعدى ويأخذ صغيرنا دور كبيرنا ونصفع ونتجاوز وننتهك جرائم كبيرة دون عين الرقيب (الضمير) الغارق في الأحلام الوردية.!
* غريبة عنا تلك الحضارة بل نحن غرباء عنها ونحن نأخذ ما ليس لنا ونتعلم أن السرقة طريق لسد الرمق ولإشباع الحاجة.!
* كيف يتعذر علينا أن نقيس مبدأ الحضارة وسياسة الاستحواذ ونحن نسلب حقوقاً ونمهل حقائق في زمن لا نستطيع إلا أن نسميه زمن الجدب واختلاط المفاهيم العامة والسائدة، وسط معمعة من الضباب المتكاثف.!
أي دين يحكمنا ما لم نتمسك به ونطبقه وأي حضارة ندعيها ونحن صورة متهالكة لتربيتنا وخلقنا.
مرفأ:
متى نتعلم ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويحرم صغيرنا فهل نتعلم؟