استحوذت الحكومة الأمريكية في خطوة غير مسبوقة على إدارتي عملاقي الرهن العقاري فاني ماي وفريدي ماك and Freddie Mac Fannie Mae بعد أن بدا أنهما يواجهان مشاكل تهدد النظام المالي الأمريكي برمته حيث يواجهان خسائر بلغت 14 مليار دولار بسبب حالات العجز عن السداد وعمليات نزع ملكية المنازل الناجمة عن أزمة القروض عالية المخاطر. كما أن أسهم الشركتين قد هبطت بنسبة 90 في المئة منذ العام الماضي.
وتقدم فاني ماي وفريدي ماك ضمانات للبنوك التي تمنح القروض العقارية حيث تشتري هذه القروض وتحولها إلى سندات مالية يتم تداولها عالمياً. وللعلم فإن الشركتين تستحوذان على أكثر من نصف الرهون العقارية في الولايات المتحدة إذ تتعاملان في حوالي 6 تريليون دولار من أصل نحو 12 تريليون دولار الذي هو إجمالي حجم القروض العقارية في الولايات المتحدة. ويعود تأميم تلك الشركتين واللتين تتغلغلان بعمق في النظام المالي الأمريكي إلى أن فشل أي منهما سيسبب اضطراباً في أسواق المال العالمية. وفي الوقت نفسه يمكن أن يكلف انهيار الشركتين المواطن الأمريكي مليارات الدولارت. وسيكون له أبعاد أكثر خطورة من ذلك منها عدم قدرة الأمريكيين على الحصول على قروض لشراء منازل أو سيارات أو أي معاملات ائتمانية وربما عدم إقراض المشروعات.
ولكن تداعيات الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد بل تعداه بحدوث أزمات مالية حادة منها:
1- أزمة بنك بير ستيرنز: قام البنك الفيدرالي الأمريكي بإنقاذ مصرف بير ستيرنز Bear Stearns في مارش 2008 بعد محاولات متعددة بالاستخواذ عليه من قبل بنك جي بي مورغان Morgan JP لم تتكلل بالنجاح.
2- تعرض بنك سيتي قروب لأزمة مالية في الشهر الماضي.
3- تعرض بنك Merrill Lunch لأزمة مالية حادة تمكن من خلالها Bank of America الاستحواذ على البنك المذكور وإنقاذه من الإفلاس.
4- إفلاس بنك ليمان برذرز Lehman brothers الذي يعتبر بنكاً استثمارياً ويحتل المركز الرابع في وول ستريت Wall street وعمره الزمني 158 سنة وتعرض لمطالبة الدائنين وتكبد ديون سيئة بمقدار 60 مليار. وحاول بالتعاون مع بنوك كثيرة أن يتجاوز هذه الأزمة ولكنه لم يستطع وأعلن إفلاسه.
5- وأخيراً وليس آخرا تعرضت أكبر شركة تأمين في العالم مجموعة أمريكا الدولية American International Group Inc. إلى هزة مالية كبيرة على ضوئها أعلن مجلس البنك الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) أنه سيمنح قرضا بقيمة 85 مليار دولار لإنقاذها.
وهكذا تتابعت هذه الأزمات المالية التي تعود أسبابها إلى أزمة الرهن العقاري.
دروس مستفادة
1- من الآن فصاعداً، بات الإفلاس الكبير يمثّل جزءاً من الفرضيات الواقعيّة. فبعد انهيار ليمان برذرز من سيكون التالي؟ هذا هو القلق الرئيس الحالي في الأسواق الماليّة.
2- استمرار تداعيات الأزمة المالية شبيه بحالة الكساد العظيم الذي حدث في 1929م، واستمر لفترة طويلة وامتدت آثاره وحدث معه انخفاض حاد في الإنتاج وزيادة كبيرة في معدلات البطالة. وإذا لم يتّحد العالم في حل هذه الأزمة فقد يعاني الاقتصاد العالمي من كساد عظيم تطول مدته وتشتد وطأته وتتسع دائرته ويتبعه انخفاض كبير في الطلب على البترول.
3- إن تأثير ما يحدث في أمريكا في هذا الوقت سيكون أشد وطأة على دول العالم مقارنة بما حدث في فترة الكساد العظيم نظراً لتزايد درجة الانفتاح العالمي وتشابك المصالح بين دول العالم.
4- الأزمة الحالية ستؤدي إلى تناقص معدلات الإقراض وارتفاع تكاليفه وهذا سيحدث تأثيرات سلبية على الاستثمارات وعلى النمو الاقتصادي.
كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
saud2@w.cn