إشارة لما جاء في مقال الدكتور عبدالعزيز الغدير الذي نشرته (الجزيرة) بتاريخ السبت 13 رمضان 1429هـ العدد (13134) بعنوان (خبير سعودي يحذّر من تدني الرعاية الصحية بالمملكة) فإنني أود التعليق على ما جاء بالمقال منطلقاً من نقطتين؛ الأولى النجاح في التغطية الإعلامية والإخفاق في أرض الواقع، والثانية ممارسة عدة سلطات في جهة واحدة. هاتان النقطتان تنطبقان تماماً على الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، وهي كما هو معروف رافد مهم لأداء الصحة في بلدنا العزيز، لقد ظنت الهيئة أنها نجحت إعلامياً في العديد من المقالات التي تبيّن لنا بين الحين والآخر الكشف عن العديد من أصحاب الشهادات المزورة والممارسين المنتحلين، والزيادة المطردة في عدد البرامج التدريبية والاختصاصات لديها، أقول ظنت الهيئة أنها نجحت إعلامياً، أما الواقع مختلف تماماً، إن من أهم أقسام الأمن الجنائي هو قسم مكافحة التزوير وهو لا شك أنه من مهام وزارة الداخلية، فمن ثبت عليه التزوير فهذا القسم هو المعني بهذا الشأن. وأما عن الرسوم المنافسة للدول الأخرى فتحتاج المسألة للتوضيح أن بعض رسوم التدريب لدى الهيئة وصلت إلى ثلاثين ألف ريال سنوياً وأقلها خمسة آلاف وخمسمائة ريال في السنة، وهذه الرسوم في زيادة مستمرة، وأن بلداناً كثيرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وأستراليا ونيوزيلاندا تدفع للمتدرب صنيع عمله وجهده، وقد يصل دخل الطبيب المقيم في أمريكا إلى 200 ألف دولار في السنة، أما ما يدفعه المتدرب من رسوم فلا يتجاوز بضع مئات من الدولارات وهي مقابل الورق الذي يستخدم، والأقلام، والمساحات، والمراقبين.. إلخ. ثم إن هذه الرسوم الباهظة التي تجنيها الهيئة هي ليست - كما يظنها القارئ كالرسوم الدراسية للمدارس والجامعات، فتلك الرسوم مقابل تدريس وتدريب ومعامل ومختبرات ومهارات وكتب وأنشطة.. إلخ، أما رسوم الهيئة فهي ليست كذلك وهي ليست مقابل ندوات ولا مؤتمرات ولا مناظرات ولا دوريات ولا كتب أو مطبوعات ولا تغطية لأخطاء المهنة على الإطلاق، لأن كل ما ذكرت يدفعه المتدرب زيادة وإضافة إلى ما يدفعه من رسوم للهيئة فإذا كانت ميزانية الهيئة المعلنة 45 مليون ريال للعام المنصرم لا تصرف على المتدربين، فمما لا شك فيه أنها تذهب رواتب للوفرة الوفيرة من الموظفين وصيانة للمبنى الفاخر في حي السفارات وقيمة الأثاث الوثير والقرطاسية الراقية، الغريب أن الهيئة لا تزال تشكو من ضعف التمويل وأنها ليس لها دخل من الدولة على الرغم من فرض الإتاوة!!
أما مستوى التدريب وبخاصة في الجانب الذي يحتاج تدريباً عملياً إجرائياً أو جراحياً فإن الوضع في تراجع مستمر على الرغم من توافر الإمكانات المادية من مستشفيات وأجهزة ومعدات، والحاجة ماسة لوجود اختصاصات محلية قوية المستوى لأن الدول شرقاً وغرباً أصبحت عاجزة عن قبول متدربين كما كان في السابق، ولوائح الانتظار طويلة جداً، وهي لا شك تفضل خريجها ومتدربيها عن الوافدين لديها ولاسيما الدول التي تعتمد الإنجليزية لغة لها. ما هو الحل؟
كما ذكر الدكتور الغدير عن ممارسة عدة سلطات فإن المثال جلي لدى الهيئة السعودية للتخصصات الصحية فهي تمارس دور المدرب وهي تمارس دور المشرع وهي تمارس دور المراقب، لا بد من فصل جهة التدريب بمسمى هيئة الاختصاص الصحي (مثلاً) وهي تعنى حصرياً بالاختصاص والتدريب في الطب وطب الأسنان والصيدلة والتمريض والعلوم الطبية التطبيقية.. إلخ، تضم في جنباتها مهارات وكفاءات أكاديمية وطبية عسكرية وطبية حكومية وطبية خاصة ممن سئموا المناصب فقد شغلوا أغلبها، وشبعوا المادة فقد امتلكوا نصيباً طيباً منها، وتفرغوا لما أوكل إليهم من أمانة حرصاً ودأباً بعيدين عن الشخصانية والمحسوبية، بعاطفة أبوية حانية وحازمة. أما الشق الآخر فهو هيئة التصنيف الصحي (مثلاً) وهي تعنى بتسجيل وتصنيف الممارسين ومعادلة شهاداتهم وخبراتهم حسب المعايير الدقيقة في كافة الاختصاصات سواء من خريجي الشهادات المحلية أو الأجنبية وهذه الجهة أو الهيئة لا علاقة لها بالتدريب على الإطلاق، فمن غير المعقول أن يكون تخصصاً أو شهادة معترفاً بها الآن لأن فلان نالها، ومن ثم تصبح غير معترف بها لأن هذا الفلان أصبح هو المسؤول عن التقييم والتصنيف ولا يريد أن ينافسه أحد مدة توليه المنصب. أخيراً تفعيل دور الجمعيات السعودية التي تأسس بعضها منذ أكثر من عشرين سنة مثل الجمعية السعودية لطب الأسنان والجمعية السعودية للصيدلة، وطب الأطفال، وطب العيون.. الخ فهي من مسؤولياتها المراقبة والمتابعة والتوجيه لما هو جديد في الاختصاص وهي التي تعقد الندوات والمؤتمرات وتنشر الدوريات وهي التي تقوم بالدفاع عن أعضائها أمام القضاء وبالطبع مقابل رسوم عضوية مبررة.
أنهي كلامي بأن الحاجة باتت ملحة لفصل المدرب عن المشرع عن المراقب، ومنذ 1413هـ حيث أنشأت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية إلى الآن زمن لا يستهان به ولابد من وقف النزيف المستمر.