التثمين الحكومي للعقارات في الطفرة الأولى كان أحد وسائل توزيع الثروة على المواطنين إضافة لوسائل أخرى استخدمتها الحكومة لإيصال عوائد النفط الكبيرة للمواطنين، ومنا من اتخذ من تلك الأموال وسيلة للانطلاق في بناء أصول رأسمالية ما زالت تدر عليه مالاً ومنا من استهلكها في فترة وجيزة وبات يصفق كفاً بكف ويطلب من الحكومة المزيد.
ولَّت الطفرة وتضاعف عدد السكان عدة مرات وارتفعت تكاليف توفير الخدمات للمواطنين على مساحة جغرافية شاسعة تشهد كثافة سكانية منخفضة حتى أصبحت الميزانيات لا تكفي لتوفير كافة متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الوقت المناسب وهو ما أصَّل لإستراتيجية الخصخصة لتحويل الاقتصاد السعودي من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد قائم على قوى السوق كما هو الحال في اقتصاديات الدول المتقدمة.
ومن المشاريع التنموية الهامة التي عملت الحكومة على إسنادها للقطاع الخاص مشروع معالجة العشوائيات وإفرازاتها الخطيرة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية بل وحتى الصحية، ونعلم أن هذا الموضوع أخذ بضع سنوات حتى رأى النور بإسناد تطوير أول وأكبر عشوائية في منطقة جدة وهي عشوائية قصر خزام لشركة تطوير قصر خزام المحدودة المؤسسة من قبل شركتي دار الأركان وجدة للتنمية والتطوير العمراني المملوكة بالكامل لأمانة منطقة جدة. والكل يعرف أن تطوير العشوائية يمر بمراحل أولها تقدير التعويضات ومن ثم دفع التعويضات المقدرة لملاّك وحائزي العقارات من أراضٍ ومساكن تمهيداً لإخلائها وإزالتها لتطوير المنطقة عمرانياً بما يتناسب ومتطلبات العصر والتطورات الاقتصادية والاجتماعية الحالية والمستقبلية، والكل يعرف أيضاً أن مرحلة التعويضات والإخلاء والإزالة هي من أصعب المراحل حيث الاعتراضات والمفاوضات والمطالبات المنطقية وغير المنطقية.
وللحقيقة ومن خلال اطلاعي على المشادات القائمة بين أمانة منطقة جدة وسكان عشوائية قصر خزام خصوصاً عشوائية النزلة اليمانية يتضح لي أن هناك ضعفاً في إدارة التوقعات حيث ما زال الإخوة في النزلة اليمانية يتوقعون تثمينات الطفرة الأولى التي تنقل الإنسان من الفقر إلى الغنى بشكل سريع ما زالت قائمة وأن الحكومة هي من تقوم بدفع التعويضات كما أنهم يتوقعون أن الشركة المطورة ستحقق أرباحاً خيالية من تطوير هذا العشوائيات دون أن يعلموا أن الوضع خلاف ذلك وهو ما أدى إلى عزوف الكثير من الشركات المطورة عن التقدم لتطوير عشوائية قصر خزام حيث إن الربح والخسارة هما المحرك الرئيس لأي مطور عقاري، وبالتالي فإني أعتقد بأن على أمانة منطقة جدة أن توضح الفرق بين التطوير الذي تقوم به الحكومة والتطوير الذي يقوم به القطاع الخاص وأسس وقواعد ومنطلقات كل منهما لكي لا تخرج التوقعات عن المعقول بما يفشِّل مشروع التطوير.
alakil@hotmail.com