بعث لي مرة قارئ كتابا صغيرا مزخرفا نسيت عنوانه. لا يحتاج أصلا إلى عنوان. كان موضوعه قصة امرأة روسية مسيحية قدمت إلى إحدى الدول القريبة في إطار حملات تجارة الرقيق الأبيض. رفضت واقعها المزري ففرت من بيت الدعارة ليوفقها الله بشاب سعودي ملتزم شديد الالتحاء. في دقائق أقنعها بتغيير دينها وفي دقائق أخرى إضافية حولها من امرأة كافرة داعرة إلى امرأة ملتزمة قررت على أثرها أن تلبس الحجاب الأسود الكاتم وأن تتزوجه ثم ذهبت إلى بلدها روسيا داعية إلى سبيل ربها بالحكمة والموعظة والكلمة الطيبة. تصارعت مع أهلها الكاثوليكيين المتعصبين واقنعت كثيرا من أبناء بلدها بالإسلام ولولا قصر القصة لربما جعلها الكاتب تقنع زوجة بوتين بالحجاب والدوران معها للدعوة والإرشاد.
قصة تفتقر احداثها إلى أبسط درجات الترابط. كتبت بلغة ضعيفة ورديئة. ركيكة البناء تمتلأ بالصدف التي لا يصدقها طفل في العاشرة من عمره. نصحني القارئ الكريم أن أقرأ هذه القصة العظيمة لعلي اتعلم منها فن القصة واتخلى عن كتاباتي الضارة. لا أظن أن القارئ غبيا أو قاصرا أو ساخرا. رسالته المرفقة كانت مخلصة ولكن بعيدا عن نوايا القارئ تلاحظ في جانب كبير من الرسالة مفهوما يلخص الأزمة التي تعاني منها الدراما السعودية. فالقارئ وكاتب القصة لا يقفان وحدهما على هذا المفهوم. يشترك معهما معظم الفنانين وكثير من المهتمين بالفن. القارئ وكاتب القصة كانا أكثر أمانة والتزاما بدور الفن حسب وجهة نظرهما. الفرق بينهما وبين العاملين على الفن الدرامي في المملكة كمي لا نوعي. الفرق أيضا في الذكاء الصنعي وليس في المبدأ. مؤلف هذه القصة اختلف عن المهتمين بالدراما السعودية بزيادة جرعة النصيحة على حساب الشكل. فبوصفه نصائحي لا فنان كثف كمية النصيحة واحتقر جوانب الابداع. اختصر كمية الطحين والزبدة وزاد من كمية السكر. فالكيك في نظرة هو حلى في النهاية. الكيك ليس جزءا من ثقافته أو معرفته فالناس في ظنه تتهافت على الكيك لأنه حالي. تركب النصيحة أولا ثم يلصق عليها البهارات والصبغيات. هذا ما يفسر الفقر في الإنتاج الدرامي السعودي. الجرعة النصائحية تصل بأقل التكاليف، جمود الكاميرا مثلا يؤكد أن النصائح التي يقولها الممثل بصوته هي رسالة المشهد كما فعل كاتب هذه القصة.
ما نشاهده من عودة مستمرة إلى شخصيات الستينات والسبعينات هو صراع الفن مع النصائحية.القصة كعمل فني في صراعها مع القصة كعظة. فالمسافة بين السبعينات واليوم اقتطعت من وقت وتاريخ الإنسان السعودي. تكثفت فيها النصيحة حتى افرغ البعد الفني من وجدان الناس. احدثت فترتا الثمانينات والتسعينات غيبة في تطور الشخصيات التي تنشأ عادة مع الأجيال. تم قولبت الناس في شخصية واحدة مسطحة ممتدة على مدى الأعمار المختلفة وأي مساس بها يمكن أن يؤدي إلى المساس بالبعد الفكري والثقافي في المجتمع فيضطر الفنان أو الكاتب أن يعود إلى الماضي حيث تقع حركة التطور والتحرك التي تولد عادة مثل هذه الشخصيات الكاركاتيرية.
YARA.BAKEET@GMAIL.COM