قبل سنوات كتبت مقالة عن المرحوم عبدالله الجفري، وسلمتها إلى الجريدة وسافرت لقضاء إجازتي السنوية، وحال نشر المقالة اتصل بي الصديق علي حسون قائلاً: ماذا فعلت بالجفري؟ قلت له لم أفعل شيئاً سوى أنني رددت بعض الجميل، لقامة طويلة كنا نستظل بظلها سنوات، حتى اعتقد كل واحد أنه كون ظله الخاص، فانفضوا من حوله، بل إن بعضنا أخذ ينال من اسم الجفري ويعطي له الدروس، وهذا ما جعل الجفري يبكي متأثراً من مقالتي فقد تيقن أن الدنيا لن تخلو من عارفي الفضل وكنت واحدا من هؤلاء.
كان يفتح باب مكتبه وصدره لنا بدون من أو استعلاء أو بحثا عن الثمن، كان أباً وأستاذاً، رغم أن الفرق بين جيلنا وبينه لم يزد على العشر سنوات، كانت كفيلة بجعل اسم عبدالله الجفري كرنين الذهب، فقد كانت الأرض جرداء والأسماء شحيحة والذين يملكون الجرأة على البوح قلة ومن هؤلاء كان أبو وجدي!!
عبدالله عبدالرحمن الجفري من الأسماء القليلة التي لم تعرف حرفة غير حرفة حمل القلم، ولو توقف لحظة عن الكتابة أو العمل في الصحافة فهذا معناه أن يفقد مصدر عيشه الوحيد، كان قلمه فاسه وفرشاته، ومع ذلك فقد كان مقداما وفي نفس الوقت بالغ الحساسية، قد يترك الصحيفة ويذهب إلى المنزل إذا أحس في لحظة بأن هناك من يحاول التقليل من قيمة عطائه أو تقييده، وقد لا تحصى المرات التي ذهب عبدالله الجفري بسببها إلى المنزل رغم معرفته بأن الخاسر الوحيد غالبا ما يكون هو، في ساحة صحافية قاعدتها الانحناء قدر الإمكان، لتمر العاصفة أو العواصف، ورغم معرفته بأن في كل صحافة هناك أناس من معدومي الموهبة أو ضيقي الأفق يعتقدون أن كل إنسان ناجح بجانبهم هو مشروع كاسحة ألغام قد تدحرجهم في أي لحظة!
ورغم هذه الحدة والمزاجية العالية التي كان يتمتع بها الراحل، إلا أنه في الوقت نفسه، من أطيب الناس قلباً وأرقهم عاطفة وأرقاهم في التعامل مع الناس، خصوصاً من هم أقل منه علماً ومكانة..
وصف عبدالله الجفري كثيراً بأنه كاتب رومانسي، ورغم أن هذه الكلمة كانت تطلق ككلمة حق أريد بها باطل، إلا أن عبدالله لا ينكر هذا الوصف، رغم أنني كقارئ أرى في أسلوبه كافة ألوان الطيف، فقد كان حادا كالسكين إذا اقتضى الظرف ذلك وناعما كالوردة ورقيقا كالنسيم، وكان مخلصاً وصادقا مع نفسه ومع من حوله، فلم يكن منافقا أو متكسباً من قلمه ولم يكن متقاعساً إذا اقتضى الظرف منه أن يكون في وجه المدفع، فقد جند قلمه على الدوام في الدفاع عن بلده وفي الدفاع عن المواطن وحقه في أن يعيش حياة كريمة!
وهناك للأسف من يأخذ على (عبدالله الجفري) أنه كاتب مكثر، ولا أدري من أين توصلوا إلى هذه النتيجة، خاصة وأن هناك من يكتب الآن زاويتين في اليوم ومن يصدر أكثر من كتاب في العام، وهو جهد قليل على كاتب لم يشغله عن الكتابة والقراءة شاغل.. عبدالله الجفري شمعة أنارت للكثيرين الطريق وحقه علينا كثير، أخذ منه القليل وعلينا تسديد الباقي، بوضع اسمه في المكان الذي يستحق، بعده طرق كما هو حال الدوام الراقية التي تنزل المبدعين من أبنائها منازلهم التي يستحقون وأبرز ما يستحقه عبدالله:
1- إطلاق جائزة ثقافية باسمه
2- وضع اسمه على أحد الشوارع أو المدارس
أما إصدار مجموعة أعماله في طبعة جديدة فقد قام بهذه المهمة ابن مكة المكرمة البار الأستاذ عبدالمقصود محمد سعيد خوجة فقد طبع أعمال الجفري كاملة خدمة لمحبيه وأصدقائه وقرائه لا تقدر بثمن خاصة إذا كان مقدم هذه الخدمة يقدمها مجاناً لمن يطلبها من القراء والباحثين المهتمين بأدب عبدالله الجفري وغيره من الرموز الأدبية والفكرية.
فاكس: 012054137