لم أتحمس كثيراً عندما قرأت خبراً صحفياً حديثاً مفاده اعتزام أمانة مدينة الرياض إنشاء المزيد من الحدائق المفتوحة والمسطحات الخضراء من أجل عيون سكان مدينة الرياض ومرتاديها.. ليس لأن تلك الحدائق ستكلف ميزانية الدولة مبالغ باهظة خصوصاً في مدينة صحراوية تعاني من شح المياه وقسوة المناخ مما يضاعف تكاليف زراعة الحدائق والعناية بها؛ وإنما لأن السواد الأعظم من مرتادي تلك الحدائق بصراحة عندنا لا يستحقونها. إن من لا يحافظ على المرافق العامة، ولا يقدر قيمتها لا يستحق أن تنشأ من أجله تلك المرافق.. فالحدائق والمسطحات الخضراء لا يستحقها إلاّ من يغار عليها من عبث العابثين، ومن يغضب لرؤية قشر اللب أو الفصفص عليها، ويعد اندلاق شيء من المشروبات الغازية على أرضها جريمة بيئية تستحق المساءلة والعقاب؛ كما هو الحال في سويسرا أو النمسا أو ما جاورهما من البلاد الأوربية، وكما هو الحال في دول مثل الصين واليابان وكوريا وماليزيا.. أما من يستمتع بالحدائق استمتاعاً غير مسؤول، فيدخلها بفوضوية، ويغادرها وقد ترك جميع مخلفاته على الأرض بلا مبالاة، فيحيل الخضرة إلى ألوان أخرى حسب ألوان مخلفاته، ويدع لأطفاله العبث بأشجارها وأحجارها ونوافيرها؛ فلا يستحق أن تنشأ له المسطحات الخضراء..
إن الحدائق والمسطحات الجمالية لدينا تتميز بكلفة عالية تختلف عنها في البلدان الأخرى ليس للأسباب المشار إليها في بداية المقال، وإنما لأنها تحتاج إلى فريق من عمال الصيانة وفريق من عمال النظافة يبلغ أضعاف ما تحتاجه مثيلاتها في الدول التي يعي مواطنوها أهمية النظافة ويدركون معنى المحافظة على المرافق العامة من عبث الأطفال والمراهقين..
كم هو مؤلم أن نتخلف عن دول العالم في مجال السلوك الاجتماعي المتعلق بالنظافة وخصوصاً في الأماكن العامة التي هي من مقومات شريعتنا الإسلامية لقوله تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} الآية..
ومن أساسيات ديننا الحنيف لقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (إماطة الأذى عن الطريق صدقة)، فكيف بمن يضعها في الطريق وفي الأماكن العامة التي يقصدها الناس للراحة والاستجمام؟، وكيف بمن يرمي أكياس القمامة وعلب المشروبات المعدنية والزجاجية في مياه البحر غير مكترث بتلويث شواطئنا التي حبانا الله إياها نظيفة عذراء؟
لقد سمعنا قبل سنة عن نظام غرامات رمي المخلفات، واستبشرنا به خيراً، لأننا اعتقدنا أن تطبيق هذا النظام سيجعلنا مثل بقية دول العالم التي تحترم النظافة وتحافظ على البيئة، إلاّ أن تلك الفرصة لم تتحقق، لأن ذلك النظام لم يتم تطبيقه حسب ما أعلن عنه، وربما يكون قد طبق على استحياء وعدم قناعة في بعض المناطق، فكانت النتائج هزيلة، فما أحوجنا إلى تطبيقه بصرامة وحزم..
لقد صرح المسؤول عن نظافة مدينة الرياض المهندس أحمد البسام قبل أيام بأن الرياض يعمل فيها (7000) عامل نظافة تابعين لأمانة مدينة الرياض، وهؤلاء لو أضيف لهم عمال النظافة في الدوائر الرسمية والجامعات والمدارس والمنازل ومؤسسات القطاع الخاص، فكم سيكون عدد عمال النظافة في مدينة الرياض؟.
أعتقد أن عدد عمال النظافة في مدينة الرياض يفوق عدد عمال النظافة في مدينة لندن أو باريس أو جنيف.. والسبب هو الفارق الكبير بين سلوك الناس في مدينة الرياض أو أي مدينة سعودية وبين تلك المدن العالمية التي يَعُد كل واحد من سكانها نفسه مسؤولاً عن نظافة مدينته ونظافة بلده، في حين يعتقد نظيره السعودي أن النظافة من مسؤولية عمال البلدية فقط! وما أكثر ما سمعنا أولئك المستهترين بأصول النظافة عندما نقول لأحدهم: (لا ترم المخلفات من نافذة السيارة، أو لا تتركها على الأرض!)، فيرد بلا حياء: (أجل عمال البلدية وش فايدتهم؟).
لهذا أعتقد أن المسطحات الخضراء تكشف سوءاتنا، وتفصح عن ثقافة التخلف التي يعاني منها كثير من أبناء مجتمعنا وإن تزينوا بمظاهر التحضر وركبوا أغلى السيارات وسكنوا أفخم المنازل!