من حين لآخر يكشف التاريخ حقائق جديدة، وينضح إناؤه بوقائع سوداء تسجلها ذاكرته بحروف من دم، عن ممارسات لازالت حبيسة أدراجه المظلمة، وانتهاكات نفذتها دولة إسرائيل المتشدقة بترهات الديمقراطية والعصرنة التي ليست إلا قناعاً زائفاً لأنشطة وممارسات يندى لها جبين البشرية جمعاء ويصرخ لها الضمير الإنساني.

آخر ما تكشف عن ممارسات إسرائيل في الوقت الحاضر ما نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن يوميات العدوان الثلاثي على مصر، والتي ارتكبت فيها إسرائيل من المذابح ما ذهب ضحيته العشرات من المدنيين الأبرياء الذين تجاوز عددهم الـ49 في مجزرة كفر قاسم. والشاهد الآن ليس من خارج صفوف العدو بل هو ضابط إسرائيلي شاهد على تلك المجزرة. يقول الضابط الإسرائيلي: قبيل ساعات من العدوان الثلاثي على مصر تلقينا الأوامر بفرض حظر التجوال، وجاءتنا الأوامر من المصدر الأعلى منا بأن حظر التجوال سوف يفرض على القرى ويفضل سقوط عدد من القتلى في المساء، وكان الحديث يدور عن إسقاط عشرة قتلى في قرية على الأقل لإنجاح حظر التجوال وإحداث الرعب لدى الطرف الآخر.ومع أن في الحديث الذي نشرته الصحيفة الإسرائيلية ومضات عن بعض الضباط الذين رفضوا إطلاق النار على الأبرياء القادمين إلى منازلهم، إلا أن ذلك لا ينفي المسئولية الكاملة التي تقع على كاهل الكيان الإسرائيلي أمام القانون الدولي والضمير العالمي، بل إن ذلك يقودنا إلى القول بأن عقلية إسقاط الرعب التي مارستها إسرائيل عبر القتل لازالت قائمة وموجودة حتى الآن في أجندات العدو الإسرائيلي الذي لا يفتأ في ضرب كل مشروع للسلام أو التعايش السلمي عبر تلك الممارسات التي تعتمد على البطش والضرب بيد من حديد على كل من يناضل من أجل الحرية واستعادة الحقوق المستلبة تاريخياً. كان الإسرائيليون يتعللون ويبررون أحياناً تلك المآسي التاريخية بأنهم كانوا بصدد صناعة الدولة، وأن الأحوال الأمنية والسياسية كانت تحتم على جنودهم اتباع تلك الأساليب في أيام الحرب!!أما الآن وميديا ودعاية الكيان الإسرائيلي لا تكل ولا تمل من الحديث عن السلام، فإن الأسئلة تقدح في وجه هذا الكيان لتقول: إن السلام لا يقترن بقتل العُزَّل كما يحدث كل يوم، وإن مشروعات التسوية تعارضها ممارسات إطلاق النار على العزل معصوبي الأعين كما شاهدنا قبل فترة على شاشات التلفزة، وإن جلسات المفاوضات المتتالية لا تنفي صفة القتل والإرهاب التي يمارسها المتطرفون من المستوطنين وغيرهم. جميع هذه الممارسات التي تناقض أهداف ومقاصد السلام لازالت مستمرة عبر عقلية إسقاط الخوف والرعب المعتمدة تاريخياً، والتي يعلم الإسرائيليون أنها لن تثني الشعوب عن المطالبة بحقوقها والجهد من أجل استعادتها حتى وإن تفننت إسرائيل وأعادت ممارساتها التاريخية السابقة.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244