استيقظنا ذات يوم على أحد عناوين التحضر المنشود الذي تبذل أمانة مدينة الرياض جهداً غير عادي لتحقيقه من خلال ترقيم المنازل والمحال التجارية بمدينة الرياض الأمر الذي أثار فرحة عامرة ليس لترقيم المنازل وإنما لاستشعار مسؤولي الأمانة بضرورة البدء بالتفكير
بشكل جاد في ترقية الأدوات المستخدمة من خلال رفع درجة التحضر الذهني المنشود وبدأنا نتباهى كثيراً بأرقام منازلنا كخطوة رئيسة في طريق حضارة كنا ومازلنا ننتظرها من شأنها أن تسهم بشكل كبير ومباشر في تعجيل عدد من الإجراءات التي عانينا منها لعقود من الزمان كإيصال البريد والفواتير وإيضاح عناوين المنازل وغيره مما يساهم في وضع البلد على عتبة الحضارة التي سبقنا إليها عدد كبير من الدول المتخلفة حضارياً والفقيرة اقتصاديا والعاجزة إبداعياً، لكنها في ذات الوقت كانت تقدر قيمة ترقيم المنازل من جميع المناحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وخلافه. انتظرنا كثيراً كي نرتقي بفكرنا ونحقق ماحققته تلك الدول على الأقل حتى يكون لتلك التقنية الحديثة فقط في بلادنا وهي الخرائط الإلكترونية قيمة فالمعروف أن تلك الخرائط انتشرت بشكل ملحوظ سواءً داخل السيارات أو حتى عبر أجهزة الجوالات، تزامن ذلك مع الجهد الذي تم بذله من قبل البريد السعودي الذي أعد العدة ونظم نفسه لتقديم خدمة راقية تعتمد على أكثر أنظمة البريد ذكاءً في العالم.
المدهش بالموضوع أن البريد أخذ يضع صناديق خاصة به على أبواب المنازل والمحال والمباني السكنية دون تفعيلها حتى أصبحت عرضة للتكسير والسرقة والإهمال وممازاد الأمر تعقيداً أن تلك الصناديق لم تحمل أرقام المنازل الموضوعة من قبل البلدية فتجد مثلاً منزلاً يحمل رقما خاصا به ورقما آخر لصندوق البريد، فحينما يذهب المواطن لمراجعة جهة ما ويُطلب منه عنوانه، يقوم بكتابة عنوان منزله مسترشداً برقم منزله الخاص بالبلدية مع اسم الشارع الذي ربما يكون من التعقيد مايجعل ساكنه يقوم بكتابته في محفظته أو على جواله لصعوبة حفظه ومن ثم يكتب عنوانه البريدي المكون من أربعة أرقام.
هكذا أصبحت الحال، فبدلاً من تسهيل العملية، أصبح ترقيم المنازل وتسمية الشوارع السكنية وترقيم صناديق البريد وبال على الساكن الذي غالباً مايجعله يحمل تلك المعلومات مدونة في دفتر صغير أو محفوظة في جهازه الجوال أو على ورقة صغيرة.
وكما استيقظنا ذات صباح على أمل التحضر ذلك، استيقظنا أيضا في صباح آخر على فقدان أرقام المنازل وبطريقة تكاد تكود همجية بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى حتى خيل لنا أن ثمة مجموعة من بائعي السكراب قد هاجمت الأحياء في غفلة عن ساكنيها وقامت بنزع جميع أرقام المنازل بطريقة لا تنم عن خطه موضوعة أو أسلوب متحضر لاستبدالها، بل أصبحنا نرى أسوار المنازل وقد تم نزع الرقم من عليها مما ترك حفرة واضحة في السور. إلا من حالفهم الحظ وكانت القاعدة التي تحمل الرقم مثبتهة بطريقة محكمة بحيث لم يتم إزالتها بل أزيل فقط الرقم ذو اللون الأخضر، أما معظم المنازل فقد تم خلع الرقم بقاعدته محدثاً ثقباً واضحاً أكبر حجماً من الرقم الجميل الذي كان موضوعاً.
وقبل اتخاذ القرار أو الحكم على من أقدم على هذا الفعل المشين، زاد في الاستغراب أن أرقام صناديق البريد لم يتم إزالتها حتى لو كان الصندوق قد تم إتلافه وتكسيره منذ أسابيع أو أشهر إلا أن الرقم ذو الأربع خانات لايزال يرفل بثوب الصحة معلقاً على أسوار المنازل، إذا ما الذي حدث. الذي حدث ببساطة يا إخوان أنه لم تكن هناك عصابة من سارقي السكراب أو ممن يقومون بجمع مواد البلاستيك أو غيره وكبسها وتفتيتها ومن ثم إعادة بيعها، ولم يكن هناك من عصابة تقوم بخلع الرقم مع جزء من السور بغية تحقيق مأرب آخر كملاحظة وجود ساكنين في المنزل تمهيداً لسرقته كما هو معتاد لدى سارقي المنازل، حيث لم يحدث ذلك لمنزل أو منزلين بل حدث لأحياء كاملة. الذي حدث ببساطة هو أن البلدية قررت إزالة تلك الأرقام لسبب ما قد يكون استبدالها أو إلغاؤها كلياً.
لكن مهما كان السبب ألايحق للمواطن أن يتم إبلاغه عن ذلك قبل الإقدام على نزع الرقم، ألايحق للمواطن تنبيهه بأن الرقم سيزال ويجب عدم استخدامه مستقبلاً حتى يتم تعديل الوضع إن كان هناك ثمة تعديل، ثم هل يعقل أن تتم إزالة الأرقام مع أجزاء من السور وتشويهه بالشكل الذي يتم حالياً
dr.aobaid@gmail.com