تجاهلت الأسواق المالية العالمية قرار خفض معدل فائدة الإقراض الجماعي الذي اتخذته سبعة بنوك مركزية نهاية الأسبوع الماضي. توقيت اتخاذ قرار الخفض أتى متأخراً مما أدى إلى إضعاف أثره الإيجابي على أسواق المال. في برلين قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: (إن قرارات خفض الفائدة إشارة لدعم الاقتصاد ويجب أن تسهم في إعادة الثقة في الأسواق)،،،،
وهي محقة من الناحية العلمية، إلا أن الأسواق العالمية لم تعد تتعامل مع المنطق بعد أن أشعل نيرانها خوف المودعين وهلع المستثمرين.
الخوف والهلع باتا يسيران أسواق العالم، ويقوضان جهود البنوك المركزية في محاولتها معالجة الأزمة ووقف التدهور.
صرح أحد الخبراء الغربيين لمحطة CNBC بأن (كل ما تحتاجه الأسواق في الوقت الحالي هو الثقة والهدوء ولا شيء غير ذلك)؛ وأضاف: (كان من الممكن أن يحدث قرار خفض الفائدة أثراً إيجابياً لو تم إقراره الشهر الماضي... أما الآن فلا).
توقيت إعلان القرارات المؤثرة يمكن أن يكون أكثر أهمية لدى الأسواق المالية من كفاءتها الظاهرة؛ بل إن التصريحات الرسمية الموجهة يمكن أن تساعد في طمأنة الأسواق وإعادة الثقة إليها، قبل مرحلة الانهيار، وإن خلت من القرارات، وخطط المعالجة.
منذ نشوب الأزمة المالية العالمية والسوق السعودية متعطشة لسماع تطمينات الجهات الرسمية ووجهة نظرها حيال الأزمة وانعكاساتها المتوقعة على السوق المحلية. التزمت الجهات الرسمية الصمت، اقتدت بها المصارف السعودية، فكانت النتيجة كوارثية بكل ما تعنيه الكلمة. غياب المعلومة الرسمية ساهم في تنشيط سوق الشائعات وأدى إلى إحداث الضرر في سوق الأسهم والقطاع المصرفي. بل إن الجهات المسؤولة لم تتدخل لتصحيح بعض الأخطاء الإعلامية، المتعلقة منها بالقطاع المصرفي على وجه الخصوص، والتي كانت سبباً في إحداث الهلع بين المودعين والمستثمرين.
فسر المستثمرون صمت الجهات المسؤولة عن الشأن المالي، وإحجامها عن طمأنة المتداولين، بأنها (إشارة لصحة الشائعات) مما أدى إلى انهيار سوق الأسهم بعيد افتتاح جلسة تداولات يوم الاثنين الماضي. فقدت السوق أكثر من 250 مليار ريال في يومين، ولامس المؤشر مستويات فبراير 2003 عند النقطة 5703 ..بعد وقوع الكارثة سارعت البنوك السعودية إلى تأكيد سلامة مراكزها المالية ونفي تأثرها بالأزمة الأمريكية، وزادت أربعة مصارف سعودية أن عجلت في الإعلان عن أرباح ضخمة بلغت 13 مليار ريال تقريبا عن التسعة أشهر الماضية.
الدكتور محمد الجاسر، نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، أكد في تصريحات رسمية الأربعاء على أن ودائع البنوك السعودية في حرز أمين، وأن المؤسسة لن تسمح بأن تتعرض وديعة في البنوك السعودية لأية مخاطر، وقال: (إن البنوك السعودية وضعها وقاعدتها المالية وقروضها كلها موجودة في الاقتصاد السعودي).
وأضاف: (ليس هناك أي داع للتخوف من تأثر الودائع بالأزمة العالمية)، كما قلل الدكتور الجاسر من تأثير الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد السعودي، والمؤسسات المالية السعودية، مؤكدا عدم وجود استثمارات مباشرة في تلك المؤسسات المالية العالمية التي شهدت مشكلات قوية في السيولة والاستثمار.
ما صرح به الدكتور الجاسر والبنوك السعودية، لم يساعدا في انتشال السوق من انهيارها الأخير؛ فالعبرة في التوقيت لا في مضمون التصريحات الرسمية. كان من المفترض أن تُطلق مثل تلك التصريحات المطمئنة والمفندة للشائعات أيام إجازة العيد وقبل افتتاح السوق، ثُم تُتبع بإجراءات رسمية لحماية السوق من انعكاسات الأزمة الأمريكية الظالمة.
كتبت يوم السبت الماضي، خلال إجازة العيد، ما نصه (أما في الأزمات الحادة، والكوارث فأمر التدخل الخارجي يصبح ملزماً، ولا جدال فيه، على أساس أن نصف الأضرار تتسبب بها الأزمة، والنصف الآخر يحدث نتيجة هلع المستثمرين والمودعين) وللأسف الشديد فإن كامل أزمة سوق الأسهم كانت بسبب هلع المستثمرين الذي تسبب فيه غياب المعلومة الرسمية، التطمينات الحكومية، وإجراءات الحماية الاحترازية.. سياسة الصمت لا تجدي نفعا مع الأسواق المالية، فإن كان الصمت حكمة في شؤون الحياة، فهو نقمة على الأسواق المالية، وبلاء عظيم. فإن أحجم، من أوكل لهم ولي الأمر شؤون المال والاقتصاد عن دعم السوق بأموال الدولة، وأذرعها الحانية على مواطنيها، فأدعو الله ألا يحجموا عن إعادة غرس الثقة فيها، ودعمها بالكلمة الصادقة في وقتها، وقبل فوات الأوان.
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244
f.albuainain@hotmail.com