آية كريمة هي الحادية عشرة من سورة النساء، نصت في نصاب المواريث المادية للأبناء بعد الموت..
حفظاً للحقوق وإقراراً لها وإلزاماً بها.. جاءت في كتاب الله تعالى الذي لا يلحق به نقص أو نسيان.. الذي هو محفوف بحفظ الله.. لتشريع ديمومة وثبات هذه الحقوق.. فلا يبدلها زمن ولا تغيرها ظروف وإن قَلّ الميراث أو كثر.. وإن تبدل الزمن أو تغيرت أحواله.. وإن كثر الولد أو قَلّ عددهم.. وإن أحسن الابن أو عَقّ أو كان ممن جاء فيه قول الله تعالى:{إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} (14) سورة التغابن.
كما نصّ القرآن الكريم على حقوق معنوية أخرى للأبناء منذ ولادتهم: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفٌِ} (233) سورة البقرة، فإرضاعهم مبتدأ معاشهم.. ورافد حياتهم.. كما نهى تعالى في حق من حقوقهم عن التكلف بهم حد التخلص منهم فقال خير من قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (151) سورة الأنعام.. فالله المتكفل تعالى بالرزق قسَّمه في السماء.. ووعد به؛ فما من دابة على الأرض إلا ورزقها مقسوم مكفول منه تعالى.. فلا يشغل المرء نفسه بغير عمله.. مع ذلك فإن الله تعالى يعلم ضعف النفس وانزياح مشاعرها مع ذاتها حيث يفرح الإنسان ببنيه حين يرزق بهم فيكونون فتنة له كما فتنته بماله.. لكن الأبناء خُلقوا ليكونوا آباء وأمهات تتداولهم سنن الخلق ويقع عليهم ناموسه.. وما المخلوق للآخر إلا وسيلة وجود أو رابط موجود.. ولله فيما خلق مشيئته.. وكيفما نظم سننه.. قال تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (28) سورة الأنفال.. لله ما أرأف الله بخلقه وهو ينزع عنهم ملكية من خرج من أصلابهم وأرحامهم بمثل ما يعيدهم للتفكر في رزقه الذي يأتيهم من خارج هذه الإرادة البشرية في موازنة بين النوعين من الأرزاق، أحدهما الأبناء وإن جاؤوا من تلك الأصلاب والأرحام لكنهم ينفصلون بدبيب هواء الأرض في صدورهم ليكونوا عبيداً وإماء لله جاؤوا لما خُلقوا له.. لذا يؤكد تعالى ما أقرّ حقاً ثابتاً للأبناء في ضوء هذه المشيئة بقوله تعالى:{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} (31) سورة الإسراء، فأنتم وهم تحت مشيئة ما قسم تعالى لكم من رزق في السماء وما وعد منه.. على أنه تعالى يؤكد لمن خلق ورزق من الأبناء أن عليهم أن يعملوا فرادى للقربى من الله تعالى؛ فكل سيمسك طائره بيده، وكل مرهون بعمله، وليس لمخلوق أن يعتمد في عبادته على أبنائه أو يتكل بطاعة غيره منهم للفوز برضا الله تعالى.. إذ هناك يوم آت يفر فيه المرء منهم ويفرون منه.. يقول تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى} (37) سورة سبأ.. ويؤكد بقوله تعالى ذلك: {لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} (3) سورة الممتحنة .. لذا فصل الله تعالى بين حقوق الآباء والأبناء ثم حقه تعالى إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} (9) سورة المنافقون..
فلئن كانت الحقوق المادية منصوص بثباتها للأبناء كما للوالدين في كتاب الله تعالى.. وموضحة حدود العلائق بينهم من حيث تعامل الآباء مع أبنائهم فإن هناك ما يوطد مفهوم الوصية الإنسانية في تعامل الآباء مع أبنائهم.. في السنة النبوية الكريمة..
-سنواصل-