على ضفاف البحر المتوسط في أعلى الشمال الغربي، كنت أرقب لقاء هذا البحر مع المحيط الأطلسي في مدينة طنجة المغربية ذات صيف، وكان بادياً رأي العين وجود منطقة بين البحرين تأخذ لونا مغايراً، لأدري هل هي البرزخ الذي ذكره القرآن الكريم في آية:
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ} أم لا؟
ولكن هذا ما أكده لنا المرافق المغربي، فأخذت أتأمل البحر وتساءلت:
هل شاهد محمد (صلى الله عليه وسلم) هذا البحر؟ وهل درس خصائصه الكيميائية؟ ما هذه المعجزة التي ساقها القرآن لرجل صحراوي؟ فعلاً ما أقسى القلوب التي ترى الحق وتنصرف عنه!
ولم يكن معروفا من قبل أن البحار المالحة يختلف بعضها عن بعض، ولكن في الأربعينات من هذا القرن (بحسب الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة) وبعد أن أقام الدارسون آلاف المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار وقاسوا في كل منها الفروق في درجات الحرارة والملوحة ومقدار الكثافة وغيرها أدركوا بعد ذلك أن البحار متنوعة. وكذلك لم يكن معروفا أن البحرين منفصلين عن بعضهما بحاجز مائي ومختلطان في نفس الوقت إلا بعد أن قام المختصون بدراسة حركة المياه في مناطق الالتقاء بين البحار، وتحليل الكتل المائية في تلك المناطق.
وما قرر الإنسان هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين.
فهل يملك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تلك المحطات البحرية وأجهزة تحليل كتل المياه والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة..؟
وعلى الطرف الآخر من العالم وقفت أرقب مومياء الفراعنة في المتحف القومي المصري في القاهرة، وقرب مومياء رمسيس الثاني والذي تؤكد بعض الدراسات البحثية التي قرأتها أنه فرعون الذي وردت قصته في القرآن مع النبي موسى عليه السلام، نظرت إليه في تابوته وأنا أتساءل من يستطيع أن ينظر إليه هذه النظرة في زمانه؟
بالطبع: لا أحد، فقد كان ملكاً جباراً، قهره الله سبحانه وتعالى بأن جعله فرجة للأمم كما ورد في القرآن الكريم: { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} يالها من آيه!
ملايين البشر تشد الرحال سنوياً لمشاهدته في القاهرة، ملايين مواقع الإنترنت تنقل صورته كما هي محنطة، فها هي المعجزات تحدث أمامنا كل يوم ونحن لا نحرك ساكناً فقلوبنا أشبه ما تكون بالحجارة، وكثيراً ما كنا نسمع من أصدقاء الطفولة أنه لو عشنا في زمن النبي وشاهدنا المعجزات لأصبحنا مثل إيمان الصحابة، فهاهي المعجزات أمامنا، وهاهو الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بيننا بهدية ومكانته وبسنته، ولكننا لم نتقدم خطوة إلى الأمام، ولم نستغل هذا الشهر الكريم، بتدبر القرآن الكريم، المعجزة الخالدة التي تتجدد على مر العصور.
دعونا نقرأ القرآن ونتدبره في هذا الشهر وفي غيره من الشهور، فهل رأيتم كتاباً ضخماً يحفظ كاملاً عن ظهر قلب غير القرآن الكريم؟ ما أكثر الذين يحفظون القرآن كاملاً في أرجاء العالم؟ هل يحدث ذلك لكتاب آخر صغر أو كبر حجمه؟
أليست هذه معجزة بحد ذاتها؟
Mk4004@hotmail.com