عندما تغيب الضوابط يزداد الانفلات ويكثر التسيب، هذه البديهية لا تقاس بها سلوكيات البشر في تأدية أعمالهم، أو متابعة الطلاب في مدارسهم والموظفين في أعمالهم، بل هي بديهية تقاس بواسطتها السلوكيات والأفعال، فالضوابط عندما توضع تستهدف مراقبة السلوك وتحسين الأداء ورفع جودة الأعمال، وبما أن وضع الضوابط تتبعه عقوبات للجهات التي تخرق تلك الضوابط، فإن ذلك يؤدي بالضرورة إلى إيجاد آليات لتحسين السلوك وتجويد الأداء لينعكس إيجابيا على العلاقات الإنسانية والتعامل بين البشر، ولهذا وضعت الأنظمة والقوانين التي تضبط هذه العلائق وتحد من تجاوزات المستغلين وتحمي المنضوين تحت مظلة تلك الأنظمة والقوانين من جشع فئة من البشر وتوفر تكافؤ الفرص للجميع.
وتبرز أهمية الالتزام بالضوابط وعدم الخروج على الأنظمة والقوانين أكثر ما تبرز في المواضيع التي لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها كالطعام والسكن والملبس، ولهذا فقد اهتمت التشريعات السماوية والقوانين الوضعية بوضع التشريعات وسن القوانين والأنظمة التي تحارب الاحتكار والجشع وفرض الغلاء ورفع الأسعار دون مبرر، وفي صدر الإسلام كان الخلفاء ورجال الحسبة يضبطون الأسواق ويراقبون الأسعار بحيث لا يجور التجار ويستغلون المستهلكين ويأخذون أموالا أكثر ما تستحق السلع. ولقد ترك لنا السلف الصالح كماً وافراً من الضوابط وكيفية التعامل مع الجشعين والمحتكرين من بعض التجار وغيرهم، حيث تقدم سيرهم وكيفية تعاملهم آليات وضوابط نحن هنا في المملكة في أشد الحاجة لتطبيقها بعد المغالاة في رفع إيجارات المساكن التي ترفع كل عام وبنسب خيالية، كما أن أسعار السلع آخذة بالارتفاع، بعد إقدام الكثير من باعة الجملة والمفرد برفع الأسعار بزعم أن أسعار السلع قد ارتفعت بسبب الارتباك في أسعار الأسهم في البورصات العالمية.. والمزعج أن بعض أصحاب محلات التجزئة يرفعون الأسعار في اليوم الواحد مدعين بأن السعر قد تغير وكأن البائع على اتصال مستمر وبخط ساخن مع الموردين وعواصم التصدير..!!
أغرب من كل هذا انتشار تعهدات أصحاب المطاعم من خلال (وثائق) يعلقونها على مداخل مطاعمهم، يتعهدون من خلالها بالالتزام بالأسعار الجديدة التي رفعوها دون مبرر ودون أي موافقة من أية جهة رسمية والهدف إشعار المستهلك بأن الجميع رفع الأسعار.
تمادٍ وتلاعب على المكشوف لفرض الأمر الواقع على المستهلك من المواطنين من الذين يديرون المطاعم وجميعهم من غير السعوديين ومن جنسيتين معروفتين والذين لم يجدوا من يردعهم، مثلهم مثل من رفع إيجارات المساكن.. ففي ظل غياب الضوابط.. باتت كل جهة ترفع أسعارها وتتلاعب بحياة المواطنين وتغالي في أسعار المأكل والمسكن..!!