وصلت إلى مطار الملك عبدالله الإقليمي بمدينة جيزان، في وقت متأخر من إحدى ليالي عيد الفطر، كانت المدينة تنعم بهواء عليل يهب عليها من كل جانب، وشوارعها وساحاتها وميادينها مبتلة بما تبقى من أثر الأمطار التي هطلت على المنطقة؛ فابتهج الناس واستبشروا بقدوم
موسم ينبئ بالخير، وستغطي الخضرة السهول والجبال وستبتهج به الأنعام والطير. ذهبت لقضاء تلك الليلة في أحد المساكن الفندقية في المنطقة المحيطة بقلعة الدوسرية، تلك القلعة التاريخية التي ستباشر (الهيئة العامة للسياحة والآثار) بتوثيقها وترميمها وتأهيلها لتصبح متحفاً تاريخياً لمنطقة جازان، وتشكل المنطقة المحيطة بالقلعة وجهة سياحية مميزة. أسرني جو مدينة جيزان، وكنت أمني نفسي بفجر جميل على شاطئ البحر المقابل.
وفي الصباح الباكر خرجت لأستمتع بنسائم البحر، لكني أصبت بخيبة أمل، وذهلت بما أصاب المكان من تشوهات وأضرار، من قبل فئة من أبناء المدينة وزوارها والمقيمين فيها؛ فشعرت بأن من باب الوطنية والغيرة تدوين بعض مشاهداتي وانطباعاتي لأضعها أمام أمانة منطقة جيزان ولمن يهمهم الأمر:
* على امتداد الرصيف المحاذي للبحر شاهدت مناظر مؤذية (بقايا أطعمة وأوساخ، وبراميل قمامة لم تفرغ من محتوياتها) تنتشر في كافة أرجاء المكان وعلى أطراف الساحل، وتتقاذفها أمواج البحر.
* شاهدت أعداداً كبيرة من المتنزهين في ذلك الصباح، بعضهم يمارس هواية الصيد، ومنهم من يمارس السباحة في أماكن محظورة، والكثرة الكثيرة يتناولون الأطعمة ويتركون بقاياها في أماكنها فتبعثرها الحيوانات الضالة وتهب عليها الرياح فتنقلها إلى أرجاء المنطقة.
* شعرت بقشعريرة وأنا أشاهد في ذلك الصباح الباكر الزجاجات الفارغة لشتي أنواع المشروبات وقد تركها ذوو النفوس الضعيفة مهشمة على الأرصفة والطرق؛ فتسبب أذى للمشاة وعابري السبيل، وعامل البلدية الوحيد الذي كان يهيم على وجهه ليس بيده حيلة وهو في حيرة من أمره من أي الاتجاهات يبدأ في جمع تلك المخلفات.
* أخذت جولة في شوارع مدينة جيزان، وفي بعض المدن والقرى والأودية الجميلة؛ فوجدت المناظر ذاتها تتكرر بشكل أكبر، وقد كنت أظن أن النظافة في أرجاء منطقة جازان قد أخذت في التحسن بعد القضاء على حمى الوادي المتصدع.
* إن مثل هذه السلبيات التي شاهدتها في رحلتي القصيرة تلك لا تليق بمنطقة جازان ولا بأهلها الذين يتصفون بالطيبة والكرم ونبل الأخلاق؛ فالمنطقة جميلة وغنية بتراثها وحضارتها وبيئتها، وبشهادة خبراء السياحة الدوليين لها مستقبل واعد في نهضة سياحية مستدامة، وقد بدأت مؤشراتها في الجهود التي تبذلها الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتعاون مع شركائها من القطاعات الحكومية والأهلية.
* إن تلك الممارسات العبثية غير المسئولة من البعض لا ينقصها التعليم بقدر ما تفتقد الوازع الديني الذي يحث على النظافة وإماطة الأذى، أما الوطنية وحب الوطن فيبدو أنه غير محسوس لديهم.
* لفت نظري لوحات إرشادية وتحذيرية وضعت في مواقع متفرقة على الشاطئ الذي تطل عليه قلعة الدوسرية، وأنقل ما عليها من نصوص على النحو الآتي:
1- (المكان غير صالح للسباحة).
2- ( أخي المتنزه لا تبتعد عن الشاطئ أثناء السباحة حتى يمكنك العودة بسلام).
3- (خطر: ممنوع الاقتراب - منطقة محظورة - مياه عميقة - ممنوع السباحة).
4- (ممنوع التجول - ممنوع التصوير).
والخلاصة أني أعلم أن أمانة منطقة جازان تجتهد وفق إمكاناتها، لكن الاجتهاد وحده لا يكفي بدون حلول وضوابط صارمة ملزمة لكافة القطاعات الحكومية والأهلية والأفراد فيما يخص النظافة، ورقابة ميدانية مستمرة ووضع خطة توعية مستديمة. ومن الضروري استنفار كافة جهودها والمشاركة مع كافة الأجهزة الحكومية والمؤسسات الأهلية للقيام بحملة نظافة فورية، في جميع أنحاء المحافظات والقرى والأرياف والجبال وعلى امتداد الساحل الجميل. والاستفادة من المشروع الوطني الهادف (لا تترك أثراً) الذي تقوم عليه الهيئة العامة للسياحة والآثار في سبيل تنفيذ توعية شاملة بالنظافة والمحافظة على البيئة.
إن منطقة جازان مقبلة على حركة تنموية ستعود بالنفع على كل أبناء الوطن.
يقول المثل العربي (ثمرة التفريط الندامة، وثمرة الحزم السلامة).. وكل عيد وجازان وأهلها بألف خير.
Alrashid.saad@yahoo.com