Al Jazirah NewsPaper Monday  13/10/2008 G Issue 13164
الأثنين 14 شوال 1429   العدد  13164
بين قولين
المفاضلة
عبدالحفيظ الشمري

البيرقراطية الإدارية بدأت تؤتي أكلها المر، فها هي تثمر كلمات ومسميات وأوهاماً كثيرة وجديدة، بعضها طارئ والآخر مستوطن يثير في القلب نوازع الألم.. آخر إرهاصات مجمع البيرقراطية اللغوي والعلمي هو مصطلح (المفاضلة).. هذا الكائن العجيب الغريب الذي لا يقبل بك، ولا بشهاداتك، أو حتى بمكتسباتك المعنوية أو المهنية أو الجدارة حينما تدرج في خانة هذه المفاضلة.

باتت هذه (المفاضلة) رعباً للشباب، ولم تعد هي الآلية الجديرة بتحقيق الفرز الجاد والوعي لمستويات التحصيل والتميز والثراء في التجربة والنضج في الأداء بشكل عادل وواضح لا لبس فيه أو التواء، إنما استحالت هذه الطريقة إلى حالة عصية وشاقة من حرق الأعصاب، والألم النفسي، والإحباط المعنوي. فقد يكدح الطالب - وهو المثال الحقيقي - في جمع وتحصيل الدرجات ويحقق أعلى النسب الممتازة، والنتائج الفائقة، ولكي يكون التعجيز حاضراً بكشخته، ورزته لابد لهذا الطالب المسكين أن يخضع لاختبار القدرات وكأنه ساحر بليد لم يعد لديه قدرات خارقة أو خرقاء يلف فيها الناس وما إلى هذه الأقوال.

فما أتعس من المفاضلة في العمل الوظيفي إلا اختبار القدرات.. قدرات على ماذا؟! ومفاضلة من أجل من؟! فالأمر لا يعدو كونه من وسائل التعجيز وإعطاء الفرصة لمن لا يستحقها. بمعنى أنه بات من الضروري أن تلف الدنيا، وبالذات صيفاً في كل مكان بحثاً عن قبول لابنك الذي شقي في دنياه أشد من شقائك إن كنت كادحاً، ليخضع لتقييم آخر من أجل أن تحقيق نتائج فرضيات تم التواضع حولها، فقد تدفع إلى الباب ومنه إلى الخارج، حتى وإن كانت نسبته في النجاح عالية جداً فإن مطالب القدرات الخارقة ستكون لأحلامه في المرصاد.

حتى وإن تخرجت بضربة حظ أو فزعة رجل نبيل، إلا أن بعض الجهات الخدمية ستجلس لك في الممر وتخبرك بأنه بات عليك أن تخوض المغامرة، في وقت تشير الكثير من الدراسات والتنبؤات إلى أنه من الواجب أن يكون القبول متاحاً للجميع.. ذلك من أجل أن يتعلم الإنسان أولاً ومن ثم يبحث له عن عمل، لأن العلم بلا عمل قد يكون أقل خطراً على الإنسان والمجتمع، فليس أجمل من أن يتوفر كلاهما، ولا أتعس من هاجس يلح ويذكر بأن مجتمعنا بات بسبب هذه المفاضلة واختبار القدرات بلا علم أو عمل وهذا هو الناتج الحقيقي لمثل هذه الممارسات.

فلا يمكن أن نصور أعباء هذه القدرات إلا بأنها طريقة تعجيزية والمفاضلة أشد إيلاماً لمن يستحق وهي باب من أبواب الاقصاء، فالعاطل عن الدراسة والعمل على أحر من الجمر ليعرف آخر ابتكارات هذه الجهات التي لا هم لها إلا أن تجعل الطالب في قلق، والموظف في هواجس الترقية التي تطير بلا جناحين إلى من هو فوق المفاضلة أو من هو داخلها لمجرد استعراض الملاحة في بعض القطاعات الحكومية التي تزدان محاضر مستحقي الترقية بلفظة (مسبوق بتوصية فلان).

فاختراع المثبطات لدينا في العلم والعمل أشد من حرصنا على فتح الأبواب وتعليم الشباب، فأن يكون عاطلاً بعد التخرج أهون من أن يدور في الشوارع غير مقبول في أي موقع. فالمفاضلة واختبار القدرات لم توجد لسبب علمي أو عملي، إنما لأمر واحد، هو أن يؤاخى بين فاشل بواسطة ومجتهد بلا حظ أو حظوة.



hrbda2000@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد