Al Jazirah NewsPaper Monday  13/10/2008 G Issue 13164
الأثنين 14 شوال 1429   العدد  13164
الحبر الأخضر
زوبعة في فنجان (ماذا.. لو سقط النظام الرأسمالي؟)
د.عثمان العامر

طبعاً شخصياً لا أتوقّع ولا أتمنى في الوقت الراهن سقوط النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم ليس حباً فيه ولا قناعة بصلاحيته وإنما لعدم جاهزية البديل ولعظم المصيبة لو اختل النظام الاقتصادي العالمي الحالي ونحن على هذه الحال، ولكن هذا السؤال الحرج والصعب - عنوان هذا المقال - سؤال مطروح وبقوة في هذه الأيام سواء في الدول الأوروبية...

... المتقدمة أو العربية النامية أو حتى في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو بحق سؤال يفرض نفسه مع أنه كما يعرف البعض ليس سؤالاً جديداً، إذ لم يكن توقع سقوط النظام الرأسمالي من إفرازات الأزمة الحالية التي يمر بها السوق العالمي اليوم، فالنظام الاشتراكي الماركسي المعروف مثلاً قام في الأساس على فرضية سقوط الرأسمالية، جاء ذلك وبصورة صريحة وواضحة في (بيان الحزب الشيوعي) والذي يعد بمثابة الدستور التشريعي للنظام بأكمله والذي كتب قبل ما يقارب 160 عاماً وعلى وجه التحديد عام 1848م بيد كارل ماركس ورفيق دربه فريدريك إنجليز، والمطلع كذلك على كتابات التيار الإسلامي القديمة منها والحديثة اليسارية واليمينية على حد سواء يعرف كم هي مساحة التفاؤل والتبشير بسقوط هذا النظام ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن حين التدقيق والقراءة النقدية لهذه الكتابات سواء الماركسية أو الإسلامية أو حتى الليبرالية المتطرفة لم يكن لا هذا ولا ذاك في الغالب الأعم قائماً على تحليل علمي دقيق.. ويسجّل لما أطُلق عليه عند الميلاد في زمن الرئيس الأمريكي السابق بوش الأب (النظام العالمي الجديد) والذي مرّ حين النشأة وفي فترة النشوة والشباب بتطورات وتحولات عدة حتى استقر به المقام عندما استوى على سوقه بما يُسمى بالعولمة أو الكوكبية أو الأمركة، المهم أن هذا النظام الشمولي الذي خلط الأوراق بشكل غير مدروس ولا متوقّع النهايات كشف عور النظامين العالميين الاشتراكية في أيامه الأولى والنظام الرأسمالي هذه الأيام وسقطت ركائز الفكر الاقتصادي الماركسي بلا مقدمات تذكر وذات شأن كبير خاصة بعدما طرح رئيس الدولة في الاتحاد السوفيتي آنذاك 1988 - 1991م ميخائيل سير غيفيتش غرباتشوف نظريته المعروف البوستاريكا (إعادة البناء).. وها هي الأزمات الاقتصادية العالمية تؤرّق الدول وتقض مضاجع المستثمرين والملاَّك وتبعثر أوراق وكتابات وأقوال المنظِّرين والمحلِّلين العالميين والمحليين، ويُطرح وبكل شفافية ووضوح سؤال صعب لم يكن أحد يجرؤ على إثارته أو حتى التفكير به بصوت مسموع، وإن قال فلن يجد لصوته صدى من قبل ألا وهو: ترى ماذا لو سقط النظام الرأسمالي الذي يسود العالم اليوم والذي يرتكز على افتراضات علمية قد لا تصدق في كل آن، ولا تصدق دائماً، والقائل (من الفوضى المنظّمة تتحقق عدالة التوزيع ويصل السوق بعد شد وجذب ومد وجزر بين العرض والطلب إلى نقطة التوازن والتي عندها يتحقق الاستقرار الاقتصادي فلا تضخم ولا كساد) هكذا بهذه البساطة وعلى مدى سنوات العمر لهذا الكوكب الأرضي المليء بالصراعات والصدامات الثقافية والحضارية ومن قبل السياسية والاقتصادية، ومع يقيني بأن النظام الرأسمالي يختلف جذرياً عن النظام الماركسي الموغل في التخبط الافتراضي الذي يتناقض بكل تفاصيله مع الحياة الواقعية لبني الإنسان، فهو - أي النظام الاقتصادي الرأسمالي - نظام يحمل عوامل تجدده وتقبله للصدمات وقدرته على إعادة توازنه داخل ذاته إلا أن كثرة الصدمات وتتابعها وشموليتها وعدم وجود نظام سياسي قوي يحميها ويفرض من القوانين والسياسات ما يحرسها ويعيد لها توازنها.. كل هذه الأشياء علاوة على الصراع داخل الطبقة الرأسمالية عالمياً وضعف الحكومات الحالية قد تكون مجتمعة نذير خطر وسبب قوي لطرح مثل هذا السؤال المبني على تخوف حقيقي وقلق عالمي.. ولقد طرح البعض من الكتّاب والمتحدثين والمنظّرين الأيام الماضية أمام البنوك المحلية فكرة الاستفادة من التجربة الماليزية وفتح قناة حوار مع صناديق الاستثمار الإسلامية في البحرين وخصوصاً أن المشكلة الرئيسة هي باختصار مشكلة تمويل، ومع أن التجربة الماليزية حسب علمي لا تمثّل نظاماً اقتصادياً كاملاً إلا أنها خطوة جيدة في المسار الصحيح من المفترض أن تقرأ قراءة تحليلية نقدية من قبل فريق متخصص سواء في إحدى كليات جامعاتنا السعودية ذات الاهتمام بالشأن الاقتصادي من خلال كرسي متخصص (بالنظام الاقتصادي البديل) أو عن طريق اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى وخصوصاً أن معالي رئيس مجلس الشورى فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد هو أول رئيس لقسم الاقتصاد الإسلامي في جامعة أم القرى عام 1402هـ.. وللتاريخ فقد طرح وعبر سنوات طويلة مضت منظرون إسلاميون رؤى عديدة حقها أن يمارس عليها نفس القراءة ويعاد بعثها من جديد ويحاول أصحاب القرار والساسة تقفي أثر هذه الرؤى وتطبيق ما يمكن منها في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والحضارية التي تمر بها المنطقة، ومثالاً على ذلك كان للمفكر الاقتصادي المعروف الدكتور عيسى عبده والمفكر الشمولي المعروف الدكتور محمد باقر الصدر وغيرهما كثير كتابات تأصيلية وبيانات نقضية رائعة لكلا النظامين الماركسي والرأسمالي وفي ذات الوقت طرحا البديل الناجز والصالح لهذا الزمان، بل لكل زمان، كما كان لجامعاتنا السعودية توجه متميّز نحو بناء جيل اقتصادي ناضج برؤية إسلامية متفتحة وواعية ولكن لعدم التوجه الفعلي نحو الاستفادة من خريجي هذه الأقسام المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي صارت - هذه الأقسام - مجرد منطقة عبور لمن أراد الحصول على درجة البكالوريوس، بل تحول الأمر إلى ما يشبه المأساة، فبعد أن كانت كليات وأقسام الاقتصاد الإسلامي مرغوبة ومحط أنظار المتميّزين والمتفوقين من الطلبة خريجي المرحلة الثانوية صار الحال خلاف ذلك تماماً ولم تستفد قطاعات المال والأعمال من هؤلاء الخريجين إلا نادراً، كما أن هناك دراسات علمية متميّزة وأبحاثاً متخصصة وفي كثير من القضايا الاقتصادية الناجزة والواقعية ناقشتها الرسائل العلمية في جامعاتنا السعودية أو نشرتها المجمعات الفقهية المختلفة أو المجلات العلمية المتخصصة أو أن مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز والذي تأسس عام 1397هـ قد تبناها وأشرف عليها وتعهد بنشرها، أو تدارسها المؤتمرون في أحد المؤتمرات العالمية السبعة التي تجمع العلماء والباحثين المتخصصين والمهتمين في الاقتصاد الإسلامي، وهناك جهود تنموية متفرِّقة رعاها وما زال بنك التنمية الإسلامي، وربما يعرف الجميع الجهود المبذولة من قبل الشيخ صالح كامل شخصياً (مجموعة دلة البركة) في هذا الباب.. حق كل ذلك تكوين فريق متخصص يجمع هذا الشتات ويعيد ترتيبه ويحاول الخلوص إلى رؤية إسلامية وواقعية صالحة لانتشال العالم اليوم، وهذا مع ذاك واليد باليد تمنحنا كأمة ووطن فرصة تقديم ما يجعلنا نتخذ موقفاً عملياً يحسب لنا في تقديم ما لدينا للعالم حرصاً على سلامته وضماناً لمستقبل أفضل للأجيال القادمة.. نعم نحن نملك ما يمكن أن يكون متى ما تمت بلورته وطرحه طرحاً علمياً وعقلياً وواقعياً سبباً قوياً لتواجدنا الفعلي في توجيه السياسات الاقتصادية العالمية و(القشة غالية عند الغريق)، ولعل من بواعث التفاؤل بما لدينا وقدرتنا على التأثير العالمي اليوم، الخطوة الرائدة والرائعة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مبادرته العالمية المعروفة ودعوته الميمونة للحوار بين الأديان، إذ إن هيئة الأمم المتحدة كما نشر أول هذا الأسبوع قررت رسمياً عقد جلسة خاصة على مستوى قادة وزعماء العالم المنضوين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في منتصف الشهر المقبل لمناقشة ومطارحة ومدارسة هذه المبادرة وذلك بناءً على توصيات مؤتمر مدريد في شهر يوليو الماضي.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد