Al Jazirah NewsPaper Monday  13/10/2008 G Issue 13164
الأثنين 14 شوال 1429   العدد  13164
فاصل إعلامي
قليلاً من التواضع
محمد إبراهيم الماضي

أدى ظهور الفضائيات العربية وعملها لساعات طويلة إلى استحداث برامج حوارية مباشرة وغير مباشرة تملأ بها هذا الوقت الطويل، وهو ما استدعى الحاجة الماسة إلى الاستعانة بخدمات قطاع كبير من المثقفين والأكاديميين العرب للحوار والتعليق على الكثير من الموضوعات المختلفة سياسية كانت أو اقتصادية أو ثقافية ودينية ورياضية وغيرها.

اللافت في الأمر أن كثيراً من هؤلاء الضيوف المتحدثين في هذه البرامج لا يجدون حرجاً أو مانعاً في أنفسهم من الحديث في أي موضوع يطلب منهم الحديث فيه مما لا علاقة له بتخصصاتهم، فتجد (س) من الناس يكون تخصصه في الأدب لا يجد بأساً من الحديث في الأمور السياسية والاستراتيجية، أو تجد (ص) من الناس ويكون تخصصه مثلاً في الجغرافيا ولا يجد هو الآخر حرجاً من الحديث وإبداء الرأي في أمور اقتصادية ومالية شائكة وهلم جرا.

الأكثر غرابة في هذا الموضوع هو في قبول بعض المحطات التلفزيونية التي تحظى باحترام خاص وبمصداقية كبيرة لدى المشاهدين العرب نظراً لما تقدمه من برامج جيدة وهنا مكمن الغرابة، فإذا كانت هذه القنوات على قلتها لا تهتم بالتدقيق والحرص في اختيار الضيوف المناسبين لكل موضوع يريدون الحديث عنه من واقع ما يحملونه من مؤهلات علمية وهو ما أفقد هذه المحطات كثيراً من صدقيتها وجديتها فيما يقدم له من معلومات وحقائق يستعين بها في تكوين رأي موضوعي فيما يستمع إليه.

وإذا كنا كمشاهدين عرب قد نلتمس بعض العذر لهؤلاء المتحدثين الذين لا يجدون فرقاً أو قلقاً من الحديث في مجالات وموضوعات لا علاقة لها بتخصصاتهم وذلك إما لاعتبارات مصلحية ضيقة وإما بحثاً عن مكافأة مالية كبيرة وإما رغبة لا تقاوم في الظهور والبروز في التلفزيون بحثاً عن أهمية واحترام يحظون بها أمام الأقارب والأصدقاء وأصحاب القرار، فقد يصادفهم الحظ ويتم اختيارهم لشغل أحد المناصب الرفيعة.

أقول لهؤلاء الإخوة الذين يتحدثون في كل موضوع مما لا علاقة له بتخصصهم ما أجمل التواضع واحترام الذات.

وفي هذا السياق أذكر أنني قد قرأت للشاعر الراحل الأستاذ فاروق شوشة مقالا قال فيه انه في بداية تعرف الجمهور العربي بالأديب السوداني الطيب صالح تمت دعوته إلى القاهرة، حيث ألقى محاضرة وبعد انتهائه منها أخذ يستقبل سيلا ًمن الأسئلة في الأدب والثقافة وكان هذا الأديب يجيب عنها إجابة الواثق مما يقول، ثم جاءه سؤال مغاير يطلب فيه صاحبه أن يعرف رأي الطيب صالح في توقعاته لعملية السلام بين العرب وإسرائيل، وجاء رد الطيب صالح غريباً للحاضرين وقتها وان كان ينم عن احترام للنفس ومعرفة لحدود قدراتها، فقد قال الأديب السوداني إجابة عن هذا السؤال: ليس معنى أن أكون أديباً شهيراً أن أكون محللاً سياسياً لامعاً.

ينسى هؤلاء المتحدثون وتنسى كذلك هذه المحطات الفضائية أننا نعيش في عصر التخصص بل وتخصص التخصص، بحيث بتنا نسمع عن علماء يتخصصون في أجزاء دقيقة جداً في مجالات عملهم إذ لم يعد العصر عصر المثقف الشامل الذي يفتي في كل مجال.. قليلاً من التواضع أيها الأحبة.

مستشار إعلامي



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد