حاوره - عبدالرحمن السهلي:
اعتبر المستشار القانوني العام لهيئة سوق المال سابقا أن الظروف الحالية ملائمة لاتخاذ قرار تقسيم سوق الأسهم إلى سوقين الأول سوق رئيسي يضم الشركات القوية ذات الربحية والآخر ثانوي للشركات المتعثرة والإدراجات الجديدة، مشيرا إلى أن الشركات المدرجة في السوق تتفاوت بصورة جوهرية من حيث أدائها وربحيتها، الأمر الذي يجعل من غير الحكمة تطبيق قواعد تداول موحدة على جميع تلك الشركات.
وقال المستشار القانوني إبراهيم الناصري في حوار ل(الجزيرة): إن فكرة تقسيم السوق في السابق واجهت عقبة الخوف من التأثير السلبي على الأسعار وإساءة استغلاله من قبل كبار المضاربين لإيجاد موجات تذبذب عالية يقطفون ثمارها من أموال صغار المستثمرين، أما الآن فلم يعد لدى السوق ما يخسره.
وأوضح الناصري أنه وبالرغم من حدوث تقدم في ممارسات الإفصاح منذ إنشاء هيئة السوق المالية إلا أن التطبيق لا يزال متخلفاً عن ما هو منصوص عليه في أنظمة ولوائح السوق، داعيا في ذات الوقت إلى تطبيق الأنظمة واللوائح بالكامل وبدون استثناء وفي حالة وجود صعوبات تحول دون تطبيق أي جزئية منها فإن الحل الأمثل هو إلغاء هذه الجزئية أو تعديلها بما يتوافق مع الحال لأن عدم تطبيق الأنظمة يفقدها قيمتها ومعناها ويفقد الجهاز التنظيمي هيبته. وتطرق الناصري في حواره إلى الاكتتابات وطريقة تعامل الجهات التنظيمية والأسواق مع الشركات المدرجة وكثير من التفاصيل.. فإلى نص الحوار
اقتبست هيئة سوق المال أنظمتها وقوانينها من الأسواق المالية العريقة دون أن يكون لديها القدرة الفنية الكاملة على تفعيلها وتطبيقها.. مما أوقعها في مأزق عدم تفعيل بعض الأنظمة والمواد فإلى أي مدى سينعكس هذا الواقع على أداء الهيئة وما هي فرص التحسين الممكنة للخروج من هذا الوضع المزعج؟.
- نظام سوق المال يعد من أفضل الأنظمة المقارنة وأحدثها، والهيئة لا تعوزها الموارد المالية ولا الصلاحيات النظامية لتطبيق النظام، وإشكالية وضع الأنظمة في المملكة موضع التنفيذ لا تقتصر في رأيي على نظام بعينه. القضية هنا من العمق بحيث لا يمكن تفسيرها بمعزل عن الأبعاد الثقافية والاجتماعية وطريقة التفكير السائدة لدينا، والتي تنعكس بدورها على أسلوب تنفيذ النظام. إذ إن لكل نظام أهدافا محددة مبنية على فلسفة وروح ورؤية. وما لم يكن القائمون على تنفيذه مُستحضرين لتلك الفلسفة ومتشربين بتلك الرؤية، فإن فعالية تنفيذ النظام ستكون باهتة.
* في حديث سابق لك ذكرت أن (الأسواق المالية بيئة خصبة لعمليات الغش والتلاعب لذا بنيت أنظمة السوق المالية في المملكة على مبدأ الإفصاح الكامل) فما سبب التراخي في متابعة إفصاح الشركات المدرجة ومعاقبة المخالف منها بشكل صارم كما تفعل sec هيئة التداول الأمريكية مثلا؟
- الشفافية هي العلاج الأكثر نجاعة للأمراض الاقتصادية والاجتماعية، كما قال (لويس براندي) أحد أشهر رجال القانون في التاريخ الأمريكي. وغياب الشفافية لا يقتصر ضرره على المستثمر وإنما يمس جانب الثقة في السوق على وجه العموم؛ لأن الإنسان بطبيعته عدو ما جهل، ويفترض المستثمرون دائماً سوء الظن عند غياب المعلومات.
وعلى الرغم من حدوث تقدم في ممارسات الإفصاح في السوق منذ إنشاء هيئة سوق المال إلا أن التطبيق لا يزال متخلفاً عن ما هو منصوص عليه في أنظمة ولوائح سوق المال وأرى أن الوصول للمعايير العالمية في هذا المجال في بدايته.
* تقوم بعض الشركات المدرجة ومنذ عدة سنوات على مخالفة المادتين 25، 26 من قواعد التسجيل والإدراج والخاصة بالإفصاح ولا تقوم الهيئة بتطبيق النظام على المخالفين بل تقوم بمخاطبتهم وحثهم على الالتزام ما أدى سنة بعد سنة إلى زيادة عدد الشركات المخالفة لهاتين المادتين.. لماذا؟
- دور الهيئات التنظيمية ليس المطالبة والحث والتوعية والإرشاد وإنما تطبيق النظام بشفافية وصرامة، وفي رأيي الشخصي أن الأنظمة واللوائح يجب أن تطبق بالكامل وفي حالة وجود صعوبات في تطبيق أي جزئية منها فإن الحل الأمثل هو إلغاء هذه الجزئية أو تعديلها بما يتوافق مع الحال لأن عدم تطبيق الأنظمة يفقدها قيمتها ومعناها ويفقد الجهاز التنظيمي هيبته.
* ما رأيك كقانوني في الشركات المدرجة حديثاً بعلاوة إصدار عالية وما لبثت أن أصبح تداولها دون سعر الطرح... وما أسباب نشوء هذه الظاهرة ؟
- علاوة الإصدار لا توجد إلا في حالة زيادة الشركة رأس مالها عن طريق إصدار وطرح أسهم جديدة طرحاً عاماً أو خاصاً ،. وقد يكون الطرح مقتصرا على الملاك الحاليين (حقوق الأولوية) أو غير مقتصر عليهم (شركة بترورابغ مثلاً). وتُضاف مبالغ القيمة الاسمية للأسهم الجديدة إلى رأس المال أما علاوة الإصدار (الفرق بين القيمة الاسمية وسعر الطرح) فتذهب للاحتياطيات، ولذا فإن علاوة الإصدار وفقاً لهذا المفهوم يستفيد منها المكتتبون في الأسهم الجديدة . ولكن في معظم الحالات التي أثارت جدلاً في السوق السعودي ليس هناك زيادة في رأس مال الشركة أو إصدار أسهم جديدة وإنما بيع لجزء من أسهم الشركة على مالكين جدد (تخارج) بحيث تذهب قيمة الأسهم المباعة لجيوب الملاك الخاصة. وتكمن المشكلة هنا في تحديد السعر العادل للسهم في غياب سوق لأسهم الشركة.. ومسألة تحديد السعر العادل في مثل هذه الحالة مثار جدل مستمر، ويُعد أسلوب بناء الأوامر المتبع في المملكة حالياً من أفضل الممارسات العالمية في هذا الشأن. ويبدو أن من أسباب ما أثير من انتقادات بشأن الأسعار التي طرحت بها نسب من تلك الشركات للاكتتاب صدور الإعلانات عن تلك الاكتتابات من قبل هيئة سوق المال مما أضفى عليها غطاءً رسمياً ورفع من سقف التوقعات لدى المواطنين في مدى جدواها. وقد سبق أن اقترحت في إحدى الندوات المتخصصة رفع الصفة الرسمية عن الاكتتابات بحيث يكون الإعلان عن الطرح من قبل الشركة نفسها أو مستشارها المالي، لكي يظهر الأمر للمواطن على حقيقته أي مجرد بيع مُستثمر لجزء من شركته عبر سوق المال. ولم نسمع مثلاً أن هيئة الأوراق المالية في أمريكا أو غيرها من الهيئات المماثلة تتولى الإعلان عن الإدراجات الجديدة في السوق.
ويمكن إقامة الدعاوى للمطالبة بالتعويض في حالة ثبوت تقديم معلومات غير صحيحة في نشرة الاكتتاب. ونصيحتي في هذا المجال التثبت والتريث قبل تكبد أي مصاريف لمثل تلك الدعاوى نظراً لصعوبة الإثبات من ناحية، ولأن المدعى عليه يأخذ في حسبانه أقصى الاحتياطات لمثل هذا الأمر.
* هل ترى أن الهيئة قد تسرعت في سبيل زيادة عمق السوق بتنازلها عن عدد من الاشتراطات القانونية والتي يدفع المستثمرون ثمنها خسائر في شركات طرحت بعلاوات إصدار مبالغ فيها؟
- لم يكن هناك تنازل عن اشتراطات قانونية. ولكني أرى أن إدراج شركات جديدة في السوق يجب أن يترك تحديده للسوق أي العرض والطلب دون تدخل من الجهة التنظيمية، مع اقتصار دور الجهة التنظيمية على تحديد الآليات المقبولة للتسعير (مثل آلية بناء الأوامر)، شريطة تركيز الجهة الرقابية كل جهودها والعمل بأقصى طاقتها على مكافحة ومنع أي غش أو احتيال أو تضليل ويشمل ذلك وجوب الإفصاح في نشرة الإصدار عن جميع المعلومات التي تهم المستثمر، ومنع اتباع أساليب احتيالية لإيجاد انطباع مضلل بشأن السعر. وكذلك وجوب اتباع المعايير المحاسبية والمالية السليمة المبنية على معلومات دقيقة في تقييم سعر الطرح الأولي. وهذا التوجه يتفق مع روح نظام سوق المال.
- طالبت في ورقة عمل طرحتها أثناء عملك في الهيئة بتجزئة سوق المال السعودي إلى جزأين (رئيسي للشركات القوية وثانوي للشركات المتعثرة والإدراجات الجديدة)... بنظرك ما العوائق التي تقف أمام هذا التوجه وما الفوائد من تطبيقه؟
- من المعلوم أن الشركات المدرجة في السوق تتفاوت بصورة جوهرية في العديد من المجالات ذات العلاقة بالتداول، مثل حجم الشركة وسيولة أسهمها ودرجة استقرار عملياتها، الأمر الذي يجعل من غير الحكمة تطبيق قواعد تداول موحدة علي جميع تلك الشركات. وكان العائق الرئيسي أمام تقسيم السوق الخشية من تأثيره السلبي على الأسعار وإساءة استغلاله من قبل كبار المضاربين لإيجاد موجات تذبذب عالية يقطفون ثمارها من أموال صغار المستثمرين. وأعتقد أن الظروف الحالية تعد ملائمة لاتخاذ قرار في مجال تقسيم السوق، حيث لم يعد لدى السوق الآن ما يخسره.
ولذا فإن تقسيم السوق سيمكن الهيئة من تطبيق قواعد مختلفة بحسب حال الشركات المدرجة مما يخفض من معدلات المخاطرة المصاحبة للاستثمار في السوق ككل.
- التداول بناء على معلومات داخلية يكاد يكون سمة واضحة خصوصا في تداولات بعض الشركات المدرجة.... ويرى بعض المراقبين أن الهيئة لم تتصدَّ لهذه الظاهرة بشكل حازم ما رأيك في ذلك؟
- من المستقر أن التداول بناءً على معلومات داخلية يُعد من أهم العوامل التي تؤدي إلى فقدان الثقة بالسوق، إضافة إلى افتقاره للأمانة والشهامة. ولكن ضبط وإثبات هذا النوع من المخالفات محفوف بالصعوبة. لكن يجب أن لا يفهم من هذا التماس العذر للجهة المنظمة للسوق فإذا كان ما ذكرتم صحيحاً فإن التصدي له يجب أن يكون أولوية لدى المنظم.
- عند اكتشاف عملية تلاعب في سهم معين تقوم الهيئة بفرض غرامة على الشخص المخالف وتكتفي بذلك عكس الممارسة السائدة في أسواق المال المتقدمة حيث يتم إبطال الصفقات التي تمت ومن ثم إعادة الأموال المأخوذة بغير وجه حق إلى أصحابها... لماذا لا تقوم الهيئة بذلك خصوصا مع وجود أنظمة آلية حديثة مرنة قادرة على ذلك؟
- السبب في ذلك أن السوق المالية (تداول) تطبق أسلوب المقاصة الفورية وهو أسلوب عالي الكفاءة ولكنه يستلزم أيضاً كفاءة عالية في تطبيق النظام والرقابة على الصفقات من أجل منع الممارسات غير السليمة؛ لأنه يجعل من المتعذر تقريبًا إلغاء الصفقة التي انطوت على مخالفة. وأعتقد أنه يمكن تلافي عيوب نظام المقاصة الفورية من جانبين أحدهما زيادة كفاءة وفعالية ضبط المخالفات من ناحية وتقسيم السوق من ناحية أخرى.
- قامت الهيئة مؤخرا بفرض غرامات مالية متعلقة بالإفصاح على ثلاث شركات مما أثار حفيظة المساهمين فيها وطالبوا بفرض الغرامات على أعضاء مجلس الإدارة أو التنفيذيين المسؤولين عن ذلك وانه من الظلم تحميل المساهم هذه الغرامة... ما الرأي القانوني والفقهي في ذلك؟
- تتعامل الجهات التنظيمية والأسواق مع الشركات المدرجة على أنها أشخاص اعتبارية مستقلة ولذا تُحملها تبعات المخالفات التي تنتج عن إهمال مُديريها، وتفترض تلك الجهات أن مالكي الشركة (المساهمين) سيحاسبون المدير المهمل. ومع ذلك فإن هناك اتجاه متزايد في السوق الأمريكي نحو تغريم المديرين عن بعض المخالفات التي كانت تقليدياً تتحملها الشركة. وقد كشفت الأزمة الحالية في أسواق المال العالمية أهمية تسليط الضوء على تصرفات كبار المسئولين التنفيذيين في الشركات من اجل تلافي المخاطر المحتملة على السوق وتخفيف عدد المخالفات التي ترتكبها الشركات ولذا فمن الملائم حالياً إعادة النظر في العرف المعمول به الآن من تحميل الشركات بهذه الغرامات وفرضها على التنفيذيين المتورطين.
* أخيرا.. قد يتساءل البعض لماذا كسر إبراهيم الناصري أغلال الوظيفة.. وأين هو الآن ؟
- الحرية من أعظم النعم في هذه الحياة وأيسرها تكلفة. استمتعت بهذه النعمة فترة وجيزة، والآن أمارس المحاماة والاستشارات في القطاع الخاص.