لقد وقعت الفأس في الرأس وحدث ما حدث في الاقتصاد العالمي، وبدأ يطال أسواقنا، فما العمل إذاً؟
فمؤسسة النقد تقول إننا بخير، وكثير من الخبراء الاقتصاديين يقولون إننا بخير، والحقيقة ليست بهذا الشكل (فنحنُ بخير ولسنا كذلك)، نحنُ بخير - بعد الله - ثم بسبب الفوائض المالية التي لدينا من ارتفاع أسعار البترول، ونحن بخير لأن بنوكنا متحفظة في استثماراتها وقروضها، ولأننا لم ندخل في موجة الرهن العقاري عالي المخاطر ليس شطارةً منا على الرغم مما تقوله مؤسسة النقد، بل لأن أغلب مواطنينا لا يقبلون (الربا) على أنفسهم ويستبدلونه بمنتجات مصرفية إسلامية، وقطاعنا العقاري بخير من ناحية (المشروعات الإسكانية) التي تستهدف متوسطي الدخل وسيظل كذلك إذا لم تدخل مشروعات التطوير العقاري في (موجة المضاربات) كما يحدث في دبي التي تشكل خطراً على قطاعها العقاري، أما الجانب السلبي لاقتصادنا وأسواقنا الذي لسنا بخير من جانبه فهو في انخفاض أسعار البترول المتوقع الاستمرار، وفي ارتباط عملتنا بالدولار، وفي استثماراتنا الحكومية التي لم تعمل بما يتوافق مع الشريعة، ولسنا بخير أيضاً لأن هيئة السوق المالية لم توقف تداول أسهم سوقنا لحين اتضاح الرؤية للناس وإثر ذلك حدث الانخفاض المريع لأسهمنا، وكذلك عدم دعمه من مؤسسة النقد ووزارة المالية كما فعلت كثير من الدول، كما أن الضجيج الإعلامي كان مساهماً رئيسياً في زيادة هلع الناس وسيظل تأثيره حتى تأتي حملة إعلامية معاكسة، ولكن وعلى الرغم من كل ما حدث وما سيحدث فهنالك (فرص عظيمة تولد من رحم هذه الأزمة ألا وهي، أن العالم اهتزث ثقته بالفكر الرأسمالي وهو أشبه الآن بمن يبحث عن طوق نجاة أو منقذ، وإنها لأعظم فرصة (لرواد المصرفية الإسلامية والاقتصاد الإسلامي) أن يطرحوا ما لديهم فهو من عند الله وليس من عند (آدم سميث) وعليهم أن يستغلوا هذه الفرصة أفضل استغلال عن طريق الحضور الإعلامي القوي وعبر الندوات والمؤتمرات وغيرها من الأدوات، كما أنه من واجب البنوك والمصارف الإسلامية أن تقدم منتجاتها بكل احترافية وأن تستغل هذه الفرصة لكي تستقطب الاستثمارات التائهة وإنه لواجبٌ ديني أيضاً، ويكون ذلك عبر الحملات الإعلانية وطرح الصناديق والمنتجات وافتتاح الفروع وعقد الشراكات الاستراتيجية الكبرى، كما أن على عواتقهم واجبا أكبر وأهم وهو طرح منتجات مصرفية إسلامية جديدة مما يهدف إليه الشرع الحكيم لعمارة الأرض والحفاظ على الثروات، وليس بالاكتفاء بمنتجاتهم الحالية التي في غالبها ليست سوى (أسلَمة للمنتجات المصرفية التقليدية كي تتوافق مع الشريعة)، كما أنها فرصة للحكومات الخليجية (وحكومتنا بالذات) لتستغل هذه الفرصة الثمينة فالاستثمارات العالمية تحوم حول آسيا وعينها على الخليج ومن الممكن اجتذابها عبر هيئات الاستثمار وتكاتف الجهات ذات العلاقة من القطاع العام والخاص عبر تقديم الدعوات والتشجيع والدعم وتطوير الأنظمة الحكومية البيروقراطية المعقدة والتشريعات وذلك في حملات إعلانية وإعلامية منظمة تشمل مؤتمرات وندوات ومعارض بأسلوب احترافي، وتقديم أفضل الفرص المتاحة والآمنة المتوافقة مع الشريعة لا أن يتم دعوتهم (لفقاعات ربوية) جديدة!كما أن كل مواطن سعودي يأمل من مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) أن تتكرم مشكورةً بإعطاء مهلة زمنية محددة لجميع البنوك والمؤسسات السعودية للقيام بتحويل جميع معاملاتها إلى ما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، فنحن دستورنا القرآن وكل ما يخالف القرآن هو مخالف دستورياً، كما أن ذلك لا يتم إلا بالبدء في الصناديق الحكومية لتكون (قدوةً) في تحويل جميع استثماراتها إلى ما يتوافق مع الشريعة للحفاظ على (ثروات الأجيال القادمة) وما ائتُمنوا عليه، ولتكن البداية في السندات الحكومية أولاً عبر تحويلها لصكوك واستثمارات إسلامية متدنية المخاطر، وهذا ليس بمستحيل، فما يحدث اليوم لهو أكبر محفز لتعلُّم الدرس القاسي للهروب إلى بر الأمان الموعود بالإنماء وليس بالمَحق كما في الآية الكريمة (يَمحقُ اللهُ الربا ويُربي الصدقات).
وأما بالنسبة للمستثمر السعودي فلديه فرصتان لا تعوضان، الأولى هي الاستثمار في الشركات السعودية المدرجة ذات النمو والربحية التي وصلت أسعارها إلى ما يشابه الحلم وفي مثل هذه الأوقات يتم الشراء كما يقول (وارن بوفيت، أكبر مستثمر في العالم)، وفي رأيي أن الشركات التي تعتمد على الأجهزة أكثر من اعتمادها على الموارد البشرية هي الأفضل فنحنُ في بلادٍ للأسف يندر بها الموظفون المحترفون بسبب ما تخرجه لنا مدارسنا التلقينية، ولتكن شركات تعتمد إيراداتها على الأعمال التشغيلية وليس الاستثمارات كشركات الأسمنت والاتصالات والبتروكيماويات، وأما الفرصة الثانية في السوق السعودية فهي في التطوير العقاري وخصوصاً في المشروعات الإسكانية والسياحية، وأما عقارات المضاربة فزمانها ولّى إلى أجل غير اسم (والله أعلم).
وكل ضربةٍ ونحنُ وإياكم أشدُّ تحملاً وأكثرُ مقدرةً بالاعتماد على أنفسنا وموروثنا!
كاتب ورجل أعمال
majed@alomari.com.sa