نحن المفكرون الأغبياء فمن يرى الأمور معكوسة والخطأ صحيح والصح خطأ نلهث وراء أفكار ورؤى نعتقد أنها صحيحة ولا يتناطح عليها تيسان بينما هي في الواقع خلافاً لذلك.بدأت في الحقيقة أراجع نفسي اللوامة وأراجع حساباتي وأفكاري واعتقاداتي الفكرية
وأسأل نفسي هل أنا غبي؟ هل أنا موجود أصلاً في هذا العالم الغريب؟ الحقيقة لا أستطيع أن أخفيها أننا ربما نَسير في المجهول، لا أحد يَسمعْ ولا يَرى فكأنما ينطبق علينا قول {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى}، فالمواطن المسكين يَئِن من غلاء الأسعار والمسؤولين في مؤسسة النقد ووزارة المال كأن الشأن لا يعنيهم، فهم أي هؤلاء المسؤولين لديهم من الدخول الكبيرة وربما الثروة الطائلة التي تتنامى يوماً بعد يوم ولا يَكتوون بغلاء الأسعار لأن العائدات على ثرواتهم كبيرة جداً فكأنما غلاء الأسعار بالنسبة لهم كنقطة في بحر، إنني أتكلم عن المُسبِّب الرئيس لغلاء المعيشة ألا وهو ربط الريال بالدولار الأمريكي المريض والذي فقد نسبة كبيرة من قيمته مقارنة مع العملات العالمية الأخرى، فمثلاً عندما أصدرت أوروبا عملة اليورو كان قيمة اليورو 90 سنتاً أمريكياً أي أقل من دولار وبالريال 3.375، بينما الآن قيمة اليورو أكثر بقليل من 6 ريالات فبحساب قليل نعرف أن نسبة زيادة اليورو بالنسبة للدولار الأمريكي حوالي 50% أي أن القيمة الشرائية للريال نزلت حوالي 50% بالنسبة لليورو وكذلك الحال بالنسبة لعملات بلدان العالم الذي نستورد منه، فغلاء المعيشة المُسبِّب الرئيس له هو ضعف الدولار وبالتالي ضعف الريال السعودي بجانب الزيادات المعروفة عالمياً وهي لا تتعدى 10%.
واستشهِد بتوصية السيد قرين سبان - رئيس البنك الاحتياطي الأمريكي السابق الذي أوصى في منتدى جدة بفك ارتباط الريال بالدولار وهذا هو رأيه المهني بعيداً عن أي تأثير ولو كان كاذباً أو لِنقُل ليس لديه العِلم الكافي لطلب ربط الريال بالدولار الأمريكي عملة بلاده وهو المسؤول الأول السابق في تحديد قيمة الدولار أو على الأقل التحكم بقيمته من خلال زيادة أو خفض الفائدة، فلا مجال لِمُجادِل أن يقول إن قرين سبان خائن لبلاده أو أنه لا يفقه بالنقد وهو كان رئيساً لأكبر بنك احتياط بالعالم.
ولا يفوتني في هذه العُجالة أن أرفع علم الخطر على اقتصادنا ألا وهو غَرق الاقتصاد الأمريكي بالديون ومشكلة الرهن العقاري والتي بدأ تأثيرها فإفلاس بعض البنوك الأمريكية وقرب إفلاس الأخرى، ولا يفوتني التذكير لهؤلاء الأذكياء بالخطر الذي يدُق على أبواب أكبر شركة أمريكية في التأمين على القروض العقارية ولولا تدخل الحكومة الفيدرالية لهوت هذه الشركة وإني لأرى بوادر ركود اقتصاد أمريكي ويعني ذلك أنه إن حصل لا قدر الله فسيطالنا منه القدر الكبير، وما تذبذب البورصة الأمريكية إلا بعض العلامات لهذا الركود الاقتصادي.
إن حرب أمريكا على العراق وأفغانستان والتي لا نرى نهاية لها على الأقل في القريب العاجل ستُضيف أعباءً كبيرة على الاقتصاد الأمريكي مما يعني ضعف الدولار لسنوات قادمة، وفي كتاب المُفكر الاقتصادي العالمي جوزيف ستيجليتز الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد يُقّدر تكاليف حرب العراق لوحدها في حدود (5) تريليون دولار أي 5.000.000.000.000 دولار أي من 13 رقماً على الأقل مما يعني أن تتحمل كل أسرة أمريكية 50 ألف دولار وهذه أرقام فلكية يجب أن يتوقف عندها رجال الاقتصاد والفكر في المملكة ودول مجلس التعاون ممن ترتبط عملاتهم بالدولار الأمريكي الضعيف المريض.
إن أكثر الاقتصاديين إطلاعاً لا يرون زيادة المرتبات ولا إغراق المواطن بالعطايا فكلها ستؤدي إلى زيادة التضحم وغلاء الأسعار، إن أفضل شيء تقوم به الحكومة لمساعدة المواطن لمحاربة الغلاء هو تعويم الريال وإن قال قائل: إن دخل المملكة بالدولار فسأجيب عليه أن دخل المملكة كبيرٌ جداً ولو تم تعويم الريال وقل دخل الدولة بحدود 20% فلن تخسر الدولة وسيستفيد المواطن والذي هو أساس الدولة والأمن والأمان. هذا.. والله من وراء القصد، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.