Al Jazirah NewsPaper Monday  13/10/2008 G Issue 13164
الأثنين 14 شوال 1429   العدد  13164
أثر القرآن الكريم في حياة الشباب
د. محمد علي الجوزو (*)

القرآن الكريم روح الحضارة الإسلامية ودستورها، بدأ به تاريخ الأمة الإسلامية، منذ نزوله وحياً على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وهو عقل الأمة وفكرها وضميرها، ووجدانها الحي في النفوس، وهو المكون الأساس للشخصية الإسلامية.

عندما سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنها - عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان خلقه القرآن) وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، هو حياة الأمة الإسلامية: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.

ومن هنا فإن القرآن الكريم حظي باهتمام كبير منذ صدر الإسلام إلى يومنا.. حفظاً وتدويناً، وتلاوة وتجويداً، وطبعاً، وتسجيلاً مما جعل القرآن نصاً وحيداً متواتراً، لم يطرأ عليه تغيير أو تبديل، كما تلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين حملوا إلينا القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، حرص عليها حكام المملكة العربية السعودية فكان مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة، الذي وزع ملايين النسخ من كتاب الله في ثوب أنيق ومتقن، فوصل إلى كل مكتبة وكل بيت، وكل مسجد.. وإلى كل مؤمن محب لكتاب الله.

ثم كانت مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم، وتجويده وتفسيره التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، في رحاب مكة المكرمة سنوياً والتي بلغت هذه السنة عامها الثلاثين، دليلا على مدى اهتمام المملكة في تشجيع الأجيال الطالعة على مستوى الأمة الإسلامية للعمل على حفظ القرآن الكريم، وإتقان تجويده، والحرص على فهم معانيه وتفسيره، ووضع الجوائز السخية التي تكافئ المتفوقين، وتحثهم على التنافس، في أشرف المسابقات وأكثرها تقرباً إلى الله، وحفظاً لكتاب الله والعيش في ظلال كتاب الله، ونشر المعرفة بالإسلام في أرجاء العالم.

إن الدعاة المتفوقين هم أولئك الذين برعوا في حفظ كتاب الله، وفهمه، وتفسيره، والعمل على نشر الدعوة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية، للحفاظ على شخصية الأمة وهويتها، وحضارتها، وقيمها وأخلاقها.

ومن أهم الركائز التي تحافظ على حضارة هذه الأمة، هو البعد عن الغلو والتطرف، لأن أساس الدعوة إلى الله، هو الالتزام بمنهج القرآن في الدعوة.

يقول الله عز وجل: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، ويقول جل من قائل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، ويقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا)، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، ويقول المولى عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، ويقول جل من قائل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.

من هنا فإن ربط الشباب بعقيدتهم وبالدعوة الوسطية من خلال حفظهم لكتاب الله وفهمهم لأبعاده الأخلاقية والإنسانية والحضارية، سوف يوجد جيلا جديدا بعيدا عن الانغلاق والعنف والتشدد، لأن هذا المنهج بعيد عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمنا الحب والتسامح والتراحم والتآلف.

(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

(*) مفتي جبل لبنان



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد