علمتنا المناهج الدراسية والنظام الدراسي والمؤسسات العامة أن نكون كلنا متشابهين.. وكان المختلف منا يعاني معاناة كبيرة في تقبل الآخرين له.. لأنه مختلف وحيد وسط جموع من النسخ المتشابهة.. قد تكون النسخ جميلة لكن المختلف أيضاً له تميزه وجماله باعتباره كائناً مستقلاً.. والمختلف ليس شاذاً أو خارجاً أو مخالفاً..
الاختلاف هو أن نكون على صواب لكن صوابك مختلف عن صواب الآخرين..
والصواب مسارات متعددة وأوجه عديدة ولولا تعددية الصواب ما نشأت المذاهب الأربعة وهي المذاهب الأكثر شهرة وغيرها مذاهب عديدة لكن اجتماع الناس على الأربعة منها منحتها شهرةً وذيوعَ صيت ورسوخاً في ذاكرة الناس.
** الإسلام دين النص المختلف، دين النص المتحرك الحمّال أوجهاً، والمتعدد القراءات وفي هذا سر غناه وثرائه.
** شطر انقضى من حياتنا ونحن لا نسمع إلا صوتاً واحداً ومدرسة واحدة.. وحين سنحت الفرصة ومنح ولي الأمر شارة الحوار والاختلاف وحق الإنسان في إبداء الرأي ومدارسة القضايا والموضوعات بأصوات متعددة.. أصبح لساحتنا الفكرية تعددها وتنوعها.. آراء الشيخ عبدالمحسن العبيكان، وآراء الشيخ إبراهيم المطلق، وآراء الشيخ سلمان العودة وقائمة صارت اليوم تتسع، كلها تشي بالتنوع والاختلاف والغنى وتعدد القراءات، وكلها - بإذن الله- صواب لا تخرج من حياض الدين.
** أكثر ما نخشاه في هذه المرحلة هي أزمة (النص المبتور) وهي الأزمة التي عانى منها الكتّاب والأدباء كثيراً؛ حيث اجتزئت عبارات من سياقها الموجودة فيها وحُمِّلت أكثر مما تحتمل وعُولجت وفُهمت على طريقة ولا تقربوا الصلاة..
** المجتهدون الجدد الذين حركوا الركود في الفكر المؤسسي الديني يُخشى عليهم من إشكالية (النص المبتور)؛ حيث التربص بالمفردات وأصحابها من قبل المتربصين الذين خرجوا من معركتهم مع الأدباء والكتّاب خاسرين وهاهم يلتفتون للمفكرين والمشايخ يتلقفون آراءهم وكلماتهم ويجتزئونها من سياقها ويقرأونها بأوجه تتماثل مع أحقادهم..
** اللهم اكفنا شر كل متربص، واشرح صدورنا للاختلاف المشروع، وزدنا سماحة في تقبل الآخر، واغفر لنا ضيقنا السابق بكل من اختلف عنا ولو قيد أنملة.. اللهم آمين.