لقد بدأ الغرب (دول أوروبا الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945م في فرض قيمه وأخلاقه وعاداته وتقاليده ومجونه ومأكله ومشربه على الدول والشعوب الأخرى، وخصوصا المستضعفة منها أو ما يسمى بالعالم الثالث (أو التالف في نظر الغرب)، وهذا متزامن مع استغلال للثروات الطبيعية لهذه الدول والشعوب وإضعافها وتجويعها وحجب المعرفة والتقنية عنها وإثارة الفتن الدينية والطائفية والقومية والإرهابية بين شعوبها، كل هذا من أجل أن تنعم وتلتذ فئات معينة من شعوب الغرب على حساب الشعوب الأخرى.
كل عولمة الغرب هذه مصحوبة ببناء قوة عسكرية هائلة وخصوصاً من الجانب الغربي الأمريكي، هذه القوة العسكرية استخدمت إما لإخافة الدول والشعوب الضعيفة أو أنها استخدمت فعليا لضرب بعض الدول واحتلالها وإذلال شعوبها.. ولكن يبدو أن الغرب وهو في نشوة قوته وتجبره (وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1989م وانضمام معظم دول أوروبا الشرقية إليه) نسي أو تناسى أن لهذا الكون وهذا العالم ربًّا وخالقًا يحميه ويتصرف في أمره, ونسي أيضاً أن للزمن في حياة البشرية دورات ودورات وأن الزمن قد يعيد دورته، وفي غفلة الغرب وحمى عولمته عن عامل الزمن في تحريكه وتغييره - بأمر خالقه - لمجرى الحياة الإنسانية وأن كل مرتفع لا بد له من هبوط، ظهر أمامه فجأة وفي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين قوى أخرى تنافسه في القوة العسكرية والعلمية والتكنولوجية والاقتصادية والصناعية (روسيا، الصين، الهند وغيرها)، ودول أخرى انفكت من العولمة الغربية ودول غيرها تحاول.
إن ما نشاهده ونراه ونسمع عنه في أيامنا هذه عن الأزمات والانهيارات المالية في الشركات والبنوك في أمريكا ودول أوروبا دليل واضح وجلي على سقوط الهيمنة الاقتصادية الغربية، وأن هذا الإفلاس الغربي، ومقولة السوق الحرة والاقتصاد الحر ذهبت وولت مع الريح، وهذا بداية لانحسار العولمة وخصوصاً العولمة الأمريكية، حتى أن بعض الدول الأوروبية وخصوصاً ألمانيا وفرنسا تحاول الابتعاد عن عولمة أمريكا، إن الدولار الأمريكي بدت تخفو رنته في قلوب المعجبين به، وصار متلوثا بالأموال الملوثة، الدولار هو المسار الأول في نعش العولمة.
وبعد كل ما سبق دعونا نسأل أنفسنا نحن السعوديين ماذا حصلنا وجنينا من العولمة؟ لقد جنينا من العولمة مطاعم الأكلات السريعة التي تنفح البطون وتضعف العقول. وصرنا نخجل من لبس الثوب والشماخ ونتبختر بلبس الجينز والقبعة، وغيرنا اسم حصيصة ونوير إلى جانيت مادونا وبدلنا قول بلى ونعم بقول يس ونو، وبدل العرضة بالسيوف، ودقات الطبول صرنا نرقص رقصات غربية. لم نأخذ من عولمة الغرب إلا أتفهها. لم تعطنا عولمة الغرب العلم والتقنية والصناعة، العيب فينا، أشغلنا أنفسنا في القبيلة والعشيرة والأصل والفصل والمناطقية، حتى التمر صار له أصل وفصل، حتى سحرة أفريقيا ضحكوا علينا حولوا أوراقنا إلى دولارات! حريمنا وبناتنا متمتعات ومنتشيات بالموضات العربية.. الشعوب الحية والأمم العظيمة هي التي تتمسك بأصالتها وموروثاتها وأخلاقها، وتتمسك بأسباب العلم والمعرفة والتقنية، وتأخذ من الأمم والشعوب الأخرى ما ينفعها في تطورها وتقدمها والحفاظ على مستقبل أبنائها.
الرياض: 11642 ص. ب: 87416