حكومة الملالي في إيران يهمها إذكاء الخلاف بين السنة والشيعة، لأنه الأسلوب الأمثل الذي من خلاله تخترق اللحمة الوطنية، وتكرس الفرقة بين أبناء الوطن الواحد من خلال التحزب للطائفة، لتمرر من خلال هذا التحزب أهدافاً فارسية محضة.
فما إن (تتوتر) العلاقات السياسية بين إيران والدول العربية حتى تذهب إلى التراث المتراكم من النعرات الطائفية، ثم تسعى إلى إذكائه من جديد. وفي زمن الانتماء للوطن (كأولوية) وليس الطائفة، لا يمكن للعدو الخارجي إلا إثارة هذه النعرات لاختراق اللحمة الوطنية، لذلك يسعى الإيرانيون إلى تقديم الولاء للطائفة على الولاء للوطن، لتكون هذه (الثلمة) في جدار الوطن منفذاً لهم نحو تحقيق أطماعهم وسياساتهم القومية الفارسية.
وما زلنا نتذكر ما كشفه ضباط عراقيون يعملون في المخابرات العراقية أن جماعة (إرهابية) تأخذ تعليماتها من ضباط فيلق (القدس) الذي يُديره ضباط المخابرات الإيرانيون، هم من قاموا بتفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، لتأجيج وتجذير الخلاف الدموي بين السنة والشيعة، ففي مثل هذه البيئة الدموية (المأزومة) يستطيع أن يعمل الإيرانيون بسهولة على إيجاد بؤر وخلايا لتنفيذ مصالحهم السياسية في العراق. وهذا هو التكتيك الذي يتبعه النظام الحاكم في إيران لتكوين (طابور خامس) يعمل لإيران داخل المناطق العربية، والمنطقة الخليجية على وجه الخصوص.
وفي الاتجاه نفسه، نشر الشيخ جعفر سبحاني الخميس الماضي بياناً يدعو إلى إقامة (عاشوراء) ثانية لإحياء الذكرى السنوية لهدم مراقد أئمة شيعة (كذا) في مقبرة البقيع، ونشرت هذا البيان وكالة الأنباء (الرسمية) الإيرانية، في محاولة للرجوع إلى التاريخ و(نزاعاته)، وإحيائه من جديد، وجعله حاضراً في ذهنية المواطن الشيعي. فقياس هذه الحوادث التاريخية (بكربلاء) ممارسة تنطوي على (خبث) لا يخلو من أبعاد طائفية، وغني عن القول إن إذكاء مثل هذه النعرات سيكون المستفيد (الأول) منها النظام الإيراني.
ثم أكد بيان سبحاني، وبذات التوجه، خطيب جمعة طهران (إمامي كاشاني) عضو مجلس خبراء القيادة، في خطبتي يوم الجمعة، حيث كرر نفس العبارات.
كذلك نقلت صحيفة (أبرار) بياناً أصدرته التعبئة الطلابية بجامعة (يزد) يكرر ما بدأه سبحاني.
وقبل أيام قامت أجهزة المخابرات الإيرانية (بغزو) موقع (العربية نت)، وتخريبه، وقد تم (إلصاق) هذا العمل التخريبي في جماعة من (الهاكرز) الشيعة، وهو (الغزو) الذي احتفت به الصحف الإيرانية على اعتبار أن (قناة العربية) التي يتبع لها هذا الموقع تمارس مواقف (عدائية) تجاه الشيعة.
أي أن الأمر إذا جمعت مؤشراته من هنا وهناك يتضح أنه عمل استخباراتي منظم، يحمل في مضامينه الكثير من المؤشرات الخطرة.
ومن يقرأ اللعبة الإيرانية في المنطقة العربية يجد واضحاً أن إذكاء الطائفية هو أحد أهم (وسائل) النظام الإيراني منذ أن تربع الخميني على كرسي (الولي الفقيه) في طهران.
فقد بدأ - أولاً - بالإعلان عن نيته في تصدير الثورة - كما أسماها - إلى المناطق العربية، وبالذات العراق ودول الخليج، وقد استجاب له بعض الشيعة في المنطقة، وانقادوا إلى دعوته. ولأن السياسة في النهاية لا تعرف إلا المصالح، ضحى بهم النظام، وتركهم (منفردين) يواجهون انشقاقاتهم على أوطانهم، بعد أن (ترطبت) العلاقات بينه وبين الأنظمة التي ثار مواطنوها الشيعة عليها. ومن المفارقات العجيبة أن نظام الملالي الشيعة يمارس اليوم نفس أسلوب معاوية عندما رفع قميص عثمان للوصول إلى أهداف سياسية. أما القميص الذي يرفعه الإيرانيون (اليوم) فهو نصرة آل البيت!
الطائفية هي سلاح إيران، ووسيلة (الفرس) الجديدة، بقاؤها بقاء لنفوذها، وانتهاؤها انتهاء لهذا النفوذ. والسؤال: هل تعلم الشيعة الخليجيون من تجربة الثمانينيات أم لا؟ دعونا نرى. إلى اللقاء.