لم تعد ثقافة حقوق الإنسان ترفاً يؤخذ به أو لا يؤخذ، ولم تعد مسؤولية نشرها مقتصرة على مؤسسة دون أخرى، بل أضحت ضرورة اجتماعية، وقانونية، وسياسية، فهي تعمل على حماية حقوق الإنسان، وعدم انتهاكها، ومن ثم فإن الإنسان في حاجة لأن يكتسبها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بدءاً بالأسرة وانتهاء بالمجتمع، مروراً برياض الأطفال، والمدرسة، والمعهد، والكلية، والجامعة، والمسجد، والجامع، والتدريب، والتطبيق، في مناخ تتوافر فيه حرية الرأي والتعبير.
ثقافة حقوق الإنسان تعني الأمي والمتعلم، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الطفل والشيخ، الشاب والشابة، التاجر والحرفي، وكل إنسان، لأنها تستند - في العصر الحديث - على مرجعية المواثيق والعهود الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، المتضمنة أحكاماً خاصة بتأكيد وحماية حقوق الإنسان، التي كُرست فيما بعد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولذلك فإن هذه الثقافة ينبغي أن تمتد على الخريطة الحقوقية للمجتمع السعودي، فمجالها كبير ومتسع، ومن الخطأ النظر إليها على أنها تخص فئة معينة فحسب، فكيف يتعامل المجتمع السعودي مع هذه الثقافة؟..
للإجابة عن السؤال لابد من القول: إن ذاك يحتاج إلى جهود مخلصة، وإبداع أشكال وآليات جديدة، صحيح أن هناك هيئة لحقوق الإنسان وجمعية وطنية، لكنّ هذا لا يكفي. نعم لا يمكن الاكتفاء بهيئة وجمعية، المسألة أوسع من ذلك بكثير، إن المجتمع السعودي بمؤسساته وأفراده مسؤولون عن نشر هذه الثقافة، ومدعوون لتأصيلها، ومطالبون بتطبيقها، وإذا تضامنوا في حمل رسالتها، يصبح هناك تواصل حقيقي ومدروس ومنظم، لإعداد جيل جديد من الحقوقيين في هذا المجال، لا يتعرض للاستبداد والتسلط، ولا تصادَر أحلامه، بل يحقق تواصلا مع خريطة العمل على تعزيز هذه الحقوق، وتنمية الوعي بها ونشرها.
من حق الجيل الحالي والأجيال اللاحقة، تدريبهم على فهم الحقوق الواردة في التشريعات الوطنية الداخلية لحقوق الإنسان، وبيان أهمية هذه التشريعات من جهة، ونقاط ضعفها أو تناقضها من جهة أخرى، مع المعاهدات والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان، ووضع حد للمخالفات والانتهاكات التي تتعرض لها، حتى تظل حالة حقوق الإنسان في هذا المجتمع منسجمة مع منظومة الحقوق الدولية للإنسان.
وكي تظل جذوة حقوق الإنسان متقدة، معتمدة على إجراءات قانونية وفق التشريعات الوطنية مقارنة بالقوانين الدولية، فإن من البدهي بناء هيكل إداري لهذه الحقوق يفي بالغرض، وبرامج تنفذها سائر مؤسسات المجتمع، وآليات تسعى لتحقيقها من خلال: الإعلام، والقضاء، والمحامين، وكلهم يقع عليهم العبء الأكبر في مجال نشر وتنمية ثقافة حقوق الإنسان.
فاكس : 014542554 الرياض