الأنظمة والدول التي تقوم على مبدأ طائفي وعنصري تؤدلج نهجها السياسي والثقافي والسلوك وفق توجهات ومناهج ذلك المبدأ الذي وإن أوحى لمن يغتر بطرحه أنه يتتبع مذهباً معيناً ويلتزم أطروحات ذلك المذهب، إلا أن تعامل رموز ذلك النظام ومن يقومون بالترويج لأدبياته يعطون الدليل من خلال أفعالهم وأقوالهم، أنهم يعملون ويخدمون فكرا خاصا بهم ويروجون لمذهب يخدم مصالحهم ويعظمون عنصراً ينحدرون منه.
والتاريخ يقدم نماذج عدة لمثل هؤلاء وتلك الأنظمة والتي يشير إليها الباحثون كمعاصري (الأنظمة الشمولية) بمفكريهم أو مروجي أفكارهم ب(الطوبائيين) الذين يبرعون في توظيف المواقف العقائدية والأحداث التاريخية، بل وابعد من ذلك بتوظيف الاختلافات المذهبية، وجعل تلك الاختلافات والفروقات في خدمة أهدافهم ومصالحهم وبعبارة أوضح جعل المذهب مطية لسياساتهم ومصالحهم الذاتية.
في وقتنا الحاضر يجسد نظام الملالي في إيران هذه الظاهرة إذ حول هذا النظام دولة إيران إلى دولة مؤدلجة تسير وفق نهج مذهبي عنصري ضيق لا يقتصر على الأخذ بالمذهب الجعفري (الاثنى عشري) كما يحاولون إيهام الشيعة، بل الدارس لأفعال وأقوال أركان النظام وملالية وأنصاره داخل إيران وخارجه، يتأكد بأن الذي يسيرون عليه مذهب خاص بهم اجتروه من إرث إمامهم الشاه إسماعيل الصفوي الذي فرض مذهبه على أهل فارس والعراق وقتل أمه لأنها لم تجاريه في انحرافه.. فالمرتكز الأساسي لمذهب ملالي إيران هو مبدأ ولاية الفقيه، وهو مبدأ لا يجاريهم فيه اغلب المراجع الشيعية فبالإضافة إلى رفض الشيخين الخالصي ومحمد حسين فضل الله، يعارضه أيضاً الشيخ علي السيستاني رغم أصوله الفارسية.
ولم يقتصر تبني ملالي إيران لمبدأ ولاية الفقية بل عظم وأشاع كل الممارسات والأفعال التي لا يحبذها المراجع الشيعة الكبار من الأصول العربية، فالشيخ محمد حسين فضل الله يعارض تسيير مواكب العزاء في أيام عاشوراء والتي تتضمن لطم الخدود والضرب على الصدور وضرب ظهور الأجساد بالسلاسل، بل ويحرم تطبير الرؤوس كما يفعل بعض الغلاة بخاصة في طهران وقم ومشهد وبعض المدن الباكستانية والهندية والعراقية في السنين الأخيرة.
ومواكب العزاء هذه، وإجبار الناس على لبس السواد في شهر محرم ظهر في زمن الشاه إسماعيل الصفوي واستمر طوال عهود الحكم الصفوي.
أما تعظيم القبور وزيارتها وبناء القباب عليها والتبرك بساكني القبور فانتشرت بين الشيعة في العهود الصفوية والفاطميين، ولكن سرعان ما تركها المسلمون بعد أن أوضح لهم العلماء بطلان هذا الفعل وقدموا الدلائل الشرعية على انه بدعة لم يقم بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وإنما كان النبي المصطفى عند زيارته للقبور يدعو لمن دفن ويقول: (سلام عليكم ديار قوم مؤمنين، وإنا بكم لاحقون، أنتم لنا فرط اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم) وهذه السنة النبوية هي التي يجب أن يلتزم بها المسلمون أما النواح والبكاء وتعظيم القبور وأصحابها فهي بدعة يحاربها العلماء والمسلمون كافة، وكل من يدعو لها يستحدث أمراً يجب الرد عليه وليس الدعوة إليها ونشر هذا الانحراف الذي يدعو إليه نظام ملالي طهران وينظم التظاهرات ويلقي ملاليه الخطب ترويجاً له خدمة لأيدلوجيته في إعادة بث المذهب الصفوي.
فقد رصد المتابعون بأن (الصفويين) في أوروبا وبعض عواصم الدول الآسيوية يقلدون أعمال الشيوعين إبّان سطوة الاتحاد السوفيتي، فما أن تأتيهم الأوامر من سفارات نظام الملالي في طهران، بتنظيم المظاهرات والاحتجاجات، حتى تشهد تلك العواصم تجمعات الغوغائيين وتحاصر السفارات العربية بالذات السفارة السعودية التي أصبحت هدفاً للغوغائيين في بعض العواصم الأوروبية وباكستان وجاكرتا وطبعاً طهران.
أسلوب شيوعي عقيم لم ينفع في إنقاذ الاتحاد السوفيتي من الانهيار فصنع الفوضى وتعميم الغوغاء لا يساعد على بقاء نظام الملالي المحاصر بشر أعماله، واللجوء إلى تصدير الفوضى وإشغال الجيران بأعمال مجترة من تاريخ مضى لا ينفع في بقاء نظام يلفظ أنفاسه الأخيرة.
jaser@al-jazirah.com.sa