مفارقة عجيبة استغرب لها المواطن، حيث يرى الدخل المرتفع لعائدات النفط وتحسن مستوى الإنفاق الحكومي مع انفتاح استثماري من جهة، ومن جهة أخرى ارتفاع هائل للأسعار وانخفاض حاد في أسعار الأسهم. وكالعادة لا يجد تبريراً للأحداث في ظل الصمت من الجهات الحكومية ذات العلاقة أو خطوات غير مؤثرة تقوم بها.
إن ما حدث من أثر للأزمة الأمريكية على السوق المالية المحلية غريب جداً. ولم نر مسؤولا يظهر في اليوم الأول للتداول بعد الإجازة ليطمئن المتداولين. وما تلا ذلك من أيام كانت الطمأنة محدودة.
شاهدنا جميعاً تكرر المشهد. مواطنون رجال يبكون في صالات التداول حسرة على أموالهم التي فقدوها.
ولا ندري ما هو دور وزارة المالية وهيئة السوق في إنقاذ السوق. لقد شاهدنا ما قامت به الحكومات الغربية من ضخ للأموال لإنقاذ المصارف المتعثرة، ورأينا كيف أن الكونجرس الأمريكي تردد في الموافقة على ضخ 700 مليار دولار خوفاً من الاستغلال غير السليم. كيانات مالية تعبث ثم يتم تعويضها عن خسائرها دون أن تحاسب. هذه هي الرأسمالية الغربية التي دافعت عنها أوروبا الغربية وأمريكا بكل قوة وشنت من أجلها الحروب وابتكرت من أجلها الأنظمة والمنظمات.
إنها الابتكارات الرأسمالية التي بدأت منذ أكثر من قرن بدأت بإنشاء المصانع ثم غزو الأسواق ثم إنشاء الأسواق المالية وفي هذه الثانية تحدث الكوارث وضياع الأموال. لقد أطلقت بريطانيا إشارة إلى عودة الاشتراكية وسيطرة الدولة وفشل نظرية الرأسمالية بالسيطرة على أكبر البنوك وتملك الحصة الكبيرة فيه.
والمؤسف في الأمر أن العالم أجمع ذهب يقلد هذا النموذج الاقتصادي حتى أصبح التوجه الاستثماري على مستوى الشركات والحكومات والأفراد يتجه نحو أسواق المال أو الاستثمارات الربوية (سندات الخزينة).
ويبقى السؤال الكبير يطرح نفسه. ماذا على الحكومات فعله وخصوصاً لدينا لتفادي مثل هذه المشكلات التي تحرق بنارها المواطن قبل التاجر.
ينبغي لنا أن نعود إلى الاقتصاد الإسلامي والنظر إليه بتمعن لنجعله النموذج الأحق بالتطبيق. إنها نظرية ظهرت من 14 قرناً ولا يطبقها أحد. ألا يعلم الناس أنها نموذج قد نزل من سبع سموات لصالح البشرية.
وأيضاً يجب وضع أنظمة جديدة ورفع مستوى الشفافية في سوق المال، وإظهار ما تقوم به الأوامر الخفية من عمليات بيع وشراء وتوجيه السيولة نحو البناء الحقيقي بدلاً من العبث.
ويجب علينا أيضاً أن نواجه فوائضنا المالية واستثماراتنا سواء كدولة أو رجل أعمال نحو تنمية حقيقية متنوعة تضمن حركة آمنة للأموال. يرافق ذلك الابتعاد تماماً عن الفلسفة الغربية في إدارة المصارف والقروض التي رأينا كيف أسقطت الاقتصاد الأمريكي بسبب الربوية القاسية التي استخدمتها.
إن أخطر أنواع الاستثمار هو الدخول في البورصات التي تعتبر محرقة حقيقية للأموال.
وعلى الدولة أن تقف هذه المرة بكل جدية للحد من التلاعب في هذه السوق وخلق الفرص الجاذبة لأموال المواطن الذي يشكل 90% من المستثمرين في السوق وألا تترك الأسعار تسير وفق أهواء الأثرياء.
إن الرقابة الصارمة والعقاب المناسب أدوات مهمة ينبغي تطبيقها على كل الجوانب الاقتصادية من تجارة وغيرها لنضمن اقتصادا سليما.