لا يزال يحلو لبعض متشدّقي الليبراليين والعلمانيين وملحدي العرب أن يصفوا أصحاب التديّن من المسلمين بالرجعية والتخلّف، حتى وإن كانوا على أحسن صورة من صور الحضارة والتقدّم الواعي. |
وما زلنا نقرأ لبعضهم كلاماً عجيباً في مرحلة تمايزت فيها الأشياء، وبرزت فيها الحقائق، فمنهم من يصف من يدعو إلى حجاب المرأة بالتخلُّف، ومن يدعو إلى الاقتصاد الإسلامي بالتخلُّف، وكذلك من يدعو إلى الدّين علاجاً لأمراض هذا العصر وقضاياه في مجالات الفكر ولا أدب والثقافة والإعلام، والسياسة والاجتماع، وبناء الأسرة، والعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع، أما من يدعو إلى عدم (الاختلاط) بين الرجال والنساء فهو في مقدمة المتخلفين في عرف أولئك الذين يحلو لهم أن يسموا أنفسهم (المتنورين). |
هكذا يسقط أولئك الكتاب وصف (التخلُّف) على كل ما هو إسلامي، وعلى كل من هو إسلامي يدعو إلى إنقاذ حياة البشر على هذا الكوكب الأرضي بشرع الله الحكيم. |
أما حقيقة التخلُّف ولفظه ومعناه فهي تنطبق على أولئك الذين تخلفوا تخلّفاً شنيعاً عن استيعاب تعاليم دينهم الإسلامي الحقّ وارتكسوا في مستنقعات الفكر الغربي الذي خلع ثوب الدين راضيا مختارا، وتطلّع إلى حياة متحررة من كل خلق أو دين أو قانون وضعه هو بطوعه واختياره. |
نعم (التخلُّف) هو تخلُّف الإنسان المسلم عن فهم دينه فهماً صحيحاً وعن استيعاب كمال وشمولية هذا الدين الذي ختم الله به الأديان. المتخلّفون في أمتنا هم أولئك القوميون الذين ارتكسوا إلى قومية أبي جهل وأبي لهب عن عالمية رسالة محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام وأتباعه، وهم أولئك الملحدون اليساريون ومن تلاهم من ليبراليين مُغالين، أو علمانيين لا دينين، أو مذبذبين بين هؤلاء وأولئك الذين أعلنوا ولا يزال بعضهم يعلن أن التطور والتقدم لا يكونان إلا باتباع خطوات العالم الغربي في كل شيء، في اللغة ومظاهر إهمال الدين والاقتصاد والتجارة والفن الرخيص، والإعلام المنحرف، ومتابعة أصحاب (التقليعات) حتى في ملابس الرجال والنساء وتسريحات الشعر، وغيرها من مظاهر الحياة الزائفة. |
المتخلِّفون في أمتنا هم الذين يرون انهيار المدنيات الشرقية والغربية البعيدة عن منهج الله تعالى، ويشاهدون بأم أعينهم تساقط الدول العظمى التي حاربت الله ورسله الكرام حرباً لا هوادة فيها، ومع ذلك ما يزالون يسخرون من مظاهر الدين، وأقول الدعاة، وأشكال المتدينين. |
|
أناديكم إلى إعادة الأمور إلى نصابها، وقد ناديت بهذا من قبل سنوات، فيجب علينا أن نعيد مصطلح التخلُّف إلى الذين يستحقونه بكل جدارة، الذين تخلَّفوا عن فهم دينهم وشموليته تخلّفاً يسوقهم ويسوق من يسير في ركابهم إلى الهاوية، لم يعد هنالك -أيها الأحبة- مجال للضحك على (الذقون) كما يقولون. |
|
دع عنك أفكار الضلال فإنما |
يدعو بهن مكابر وجحود |
|