لاحظت - مثل غيري من المواطنين - الأزمات المائية التي عمت معظم مناطق المملكة العربية السعودية خلال فترة الصيف، ففي منطقة الباحة عاد كثير من المصطافين أدراجهم إلى المدن الكبيرة لشح المياه وقلتها في قراهم، أغلقوا بيوتهم وعادوا إلى المدن الحارة المكتظة بالسكان، وبعض أصحاب ..
الشقق المفروشة أغلقوها ومنعوا تأجيرها لعدم قدرتهم على توفير المياه، وفي تصوري أن جزءاً كبيراً من المشكلة يكمن في طريقة الاستهلاك داخل المنازل، والمرافق العامة، ومنها المساجد، فمعظم الناس تعودوا على فتح صنابير الماء على حدودها العليا، ففي المسجد الجامع الذي نصلي فيه في قريتنا الصغيرة، والذي بناه فاعل خير على الطريق العام الذي يربط الطائف بمدينة الباحة، والذي تم افتتاحه قبل شهر رمضان بيوم واحد، في ذلك المسجد كنت أسمع خرير الماء من الصنابير وأنا خارج منطقة المسجد، فأتجه مباشرة إلى أماكن الوضوء وأطلب من الحاضرين تخفيف تدفق الماء عملاً بقوله تعالى: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا تسرف ولو كنت على نهرٍ جارٍ)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ورغم هذا فالبعض يستمر فيما تعود عليه من إهدار للماء، وبقي المسجد في بعض الليالي بدون ماء، وعندما نقارن طريقة الاستهلاك هذه بالطريقة القديمة عندما كان الماء يجبى من الآبار بالدلاء، ويحمل على ظهور الناس أو الدواب، كان الناس يقتصدون كثيراً في استخدام الماء، وكانت القربة تكفي الأسرة يوماً كاملاً، وأذكر أنني رأيت حوالي عشرة من الرجال يتوضؤون من إبريق واحد، واليوم لا يكاد الإبريق، وأحياناً القربة بكاملها تكفي لغسل فنجان الشاي، إن توفير الماء ثقافة يجب أن يتعود الجميع عليها، ويجب أن تتضافر الجهود لنشر هذه الثقافة وتطبيقها في الحياة، فيجب على الأسرة، وعلى المدرسة، والمسجد، والشركة، والمؤسسة أن تؤكد باستمرار على منسوبيها على أهمية ترشيد الاستهلاك في الماء، كما يجب على الأسر تعليم الخادمات ومراقبتهن في هذا الجانب، وفرض جزاءات على من لا يمتثل ويتمادى في التبذير والإهدار، كما يجب أن نتذكر أن هناك ثلاث تاءات بيئية يجب علينا جميعاً أن نحرص على تطبيقها، ولو فعلنا ذلك لوفرنا الكثير من الجهد والمال على أنفسنا، وخاصة في مجال الماء، ولوفرنا الكثير من أسباب التلوث البيئي، وذلك على النحو التالي:
التاء الأولى: التقليل: فتقليل الاستهلاك يوفر المال من جهة، ويقلل مسببات تلوث البيئة من جهة أخرى، وهنا أشير إلى أن الإحصاءات تدل على أن 45% من الطعام الذي نصنعه ينتهي إلى صناديق النفايات، فلو قمنا بتطبيق هذه القاعدة لوفرنا على أنفسنا حوالي 45% من المال الذي نصرفه على الغذاء، ولوفرنا الكثير من النفايات التي تلوث البيئة، وتزيد من العبء على الجهات التي تقوم بنقلها، ومثل ذلك يقال عن تقليل استهلاك الماء، مما يؤدي إلى توفيره وتجنيب أنفسنا الأزمات المالية، ويؤدي كذلك إلى عدم تعبئة خزانات الصرف الصحي المنزلية (البيارات).
التاء الثانية: التكرار: والتكرار يعني استخدام المنتج أكثر من مرة، فكثير من المنتجات البلاستيكية، يمكن إعادة استخدامها مرات عديدة، مثل بعض الأكواب، وبعض العلب، والأكياس، والماء يمكن إعادة استخدامه، وخاصة إذا لم يكن ملوثاً مثل ماء الوضوء، وذلك في ري الأشجار، وفي تنظيف الأرضيات، وفي خزانات الطرد (السيفونات) ونحو ذلك.
التاء الثالثة: التدوير: والتدوير يعني إعادة تصنيع السلعة ليظهر منها منتج جديد، قد يكون مشابها لسابقه، وقد يكون مختلفا عنه، فالورق عند تدويره يمكن أن يصنع منه مناديل صحية، والأكياس البلاستيكية يمكن إعادة تصنيعها لتسهم في منجات مختلفة مثل الصحون والأكواب ونحوها.
إن تطبيق هذه التاءات الثلاث يجب أن يكون جزءاً من سلوكنا الاجتماعي خصوصاً في ظل تفاقم المشكلات البيئية، وتفاقم الأزمة المالية العالمية، وغلاء الأسعار، وإرهاق ميزانية الأسرة بكثير من المتطلبات التي يمكن تفاديها أو التقليل منها، والله يوفق الجميع إلى كل خير.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
فاكس 012283689
zahrni111@yahoo.com