يشكو كثير من المثقفين العرب من حالة الضعف الشديدة التي تسود معظم البرامج الثقافية التي تقدّم في الإعلام الفضائي العربي وينحون باللائمة في ذلك على السياسة البرامجية العقيمة وغير المتوازنة لهذه المحطات، ففضلاً عن كون هذه السياسة غير مبررة ولا مقبولة أبداً تجاه هذه النوعية المهمة من البرامج فيما بقية البرامج الأخرى تجد اهتماماً ودعماً مالياً كبيراً سواء البرامج الترفيهية أو المنوعات أو الرياضة والفنون والأخبار وغيرها.
بينما البرامج الثقافية على أهميتها الكبيرة إلا أنها لا تزال تعاني كثيراً وتظل تناضل كثيراً لكي تستمر وتتقدم، فالميزانيات التي ترصد لهذه النوعية من البرامج هي ميزانيات هزيلة، بل في أحيان كثيرة قد لا يكون هناك ميزانيات من الأصل لمثل هذه البرامج ويعجب المشاهد في ظل هذا الواقع الصعب من استمرارية وتواصل تقديم بعض البرامج الثقافية، وفي هذا السياق يروي إعلامي عربي واقعة تشير إلى هذا الواقع المؤسف وتشخصه بشكل دقيق..
يقول هذا الإعلامي إنه في إحدى المرات كان يسجّل برنامجاً مع الأديب الراحل الدكتور يوسف إدريس وإنه عند انتهاء البرنامج توقّع يوسف إدريس أن يتسّم مقابلاً مادياً لهذا اللقاء وحينما لم يتسلّم هذا المال اندهش وقال مخاطباً الإعلامي: عندما تستدعي سباكاً في بيتك ليصلح لك شيئاً، هل يمكن ألا تعطيه نقوداً؟ أنا مثل السباك عندي مهنة أعيش منها وهي مهنة الأدب والثقافة، فكيف لا تدفع مقابل ما تأخذه مني.
وبكل أسف هذا هو واقع الحال السائد في معظم الفضائيات العربية تجاه الثقافة والمثقفين، لذا أقول إن الإعلام والثقافة هما وجهان لعملة واحدة ولا غنى لأحدهما عن الآخر، فالإعلام بدون ثقافة هو إعلام مسطح هش خال من المضمون، وكذلك الثقافة بدون إعلام يعبر عنها ويبرزها هي مضمون ولكن بدون بريق وجاذبية وهو ما يوفره الإعلام.
ولأهمية الثقافة في بناء الإنسان ورقيه فإن المجتمعات المتقدمة تولي البرامج الثقافية اهتماماً كبيراً؛ ففي فرنسا على سبيل المثال يذكر أديب عربي أنه شاهد في إحدى محطات التلفزيون الفرنسية ثلاثة برامج ثقافية وجميعها تركز على الكتاب وكل برنامج من هذه البرامج يتناول الكتاب من زاوية مختلفة وكلها تأتي بأسلوب مثير وممتع.
الموضوع بحاجة إلى إعادة نظر من راسمي الخطط في الفضائيات العربية، حيث لا بد من العمل على إيصال الثقافة بكل جوانبها الرائعة والمهمة إلى المشاهد العربي وذلك بأسلوب سهل وميسر وممتع، وهذا ممكن ومتاح في ظل توافر الإمكانات الفنية والتقنية وكذلك وهو الأهم في ظل وجود كوادر إعلامية عربية مدربة ومحترفة.
مستشار إعلامي
malmadi777@yahoo.com