لي مع نملة (عتيقة) ذكريات.., لم أكن أختبئ عن أحلامي في ورقي إلا أراها ببطء تذرع جدار البستان طولاً وعرضاً.., أمي كانت ترمقني بحنو فتلك لحظة (جنونها) تقول.., توسم بذلك لحظات كتابتي.., لي قطة صغيرة لا أنسى عندما عدت مرة من المدرسة ولم أجدها تخيّلت أن النملة قد تسلَّلت لأذنها فمرضت, ركضت لأمي فلم تتفوّه بكلمة لكنها ضمتني إليها بحنوها المفرط وطلبت إلي التوجه لحجرتي ومن ثمَّ الاستعداد للغداء.. ولم يتح لي توقيري لها أن أسألها للمرة الثانية عن قطتي.., ركضت لعلني أجدها ولما لم تكن كانت النملة ببطء تتحرّك أمام نافذتي.. أشعلت في وقيداً من الأسئلة.., لأنني لم أكن أعلم كيف تأتي في أي وقت.., وعن أي السبل.., لكنها لم تكن أقل مكانة في قلبي من القطة.. الفرق بينهما أن تلك تأوي معي حيث أكون أما هي فلا أملك أن أمسك بها..ولا بمحاولة ذلك.., أتخيّل أنني لو فعلت فستذوب بيدي.., رقيقة تلك النملة ما شاءت الرقة أن تدلق عليها من عذوبتها.., صديقتي (آمنة عقاد) تعرف كيف تسد منافذ النمل.., أما أنا فكنت أشرع لها النافذة أتخيّل أنني لا أملك أجنحة لأفكاري إلا مع حركتها.., في مساء ليلة لم تكن اعتيادية والبيت يضيء كأننا في عرس.., إذ في صباحه سأنخرط في تقديم اختبارات الثانوية العامة.., كان الليل في الخارج يدك صمت البستان فيتنفس عبق الياسمين حيث كان يمنح الصدر إكسيراً من نشاط.. تتسارع معه النبضات فالوقت يمرق سريعاً والصبح يوشك أن يزجني في قاعة ترهبني فيها سلطة العيون تتحرّك مع أصابعي على الورق.., والنملة لا أدري كيف جاءت تشاطرني رهبة الصمت الضاج.., كدت تلك الليلة أن أبسط لها صفحات الكتاب يحتويها من زمهرير لمسة هواء شتائي كان يلفنا ببردته.., لكنني على يقين من أنها ترقبني ولا ترهبني.., لكنها لن تأتي فهي لا تحفل ببرد ولا بصمت ولا بنور ولا بظلام.., كثيراً ما تساءلت بصوت عال أمامها: ترى لو تحمل هذه النملة شيئاً من معاناة لملأتُ صدرها بالكثير منها لأتأمل ما هي فاعلة مع النبض..؟ ترى أتخاف كما أفعل أم تفرح كما يحدث..؟ أم تبكي كما نتنفس..؟ أم تكبت كما نكظم..؟ ما تقول نبضاتها..؟ فهي بالتأكيد تدب فيها حياة.. ذلك الصباح وفي قاعة الاختبار.. تطوَّقت يديَّ ولم تفعلا بي.., إذ كانت رجفة البرد تصك أصابعي.. فالوحيد الذي هامسها كان قلمي فبينه وبينها رحلة استكشاف ربما كنت سأفلح معها أو تنحسر فرحتي.., وهو الوحيد الذي لا يهزمني أبداً.., تلك اللحظة كنت أتأمل حوار البرد معي.., فإذا بالنملة تتحرّك بهدوئها فوق الدرج الذي وضعت فوقه محبرتي وقلمي في قاعة الاختبار, وفيها تلك اللحظة الوحيدة تاخم نبض النملة نبضي وورقة الاختبار بين يدي...