حينما أقرأ الردود على المقالات وعلى صفحات الرأي، يصيبني استياء من بعض الردود السقيمة لما بها من عبارات مبطنة تحمل سمة العنف والتطاول المتربص (للكاتب)، فقد خرجت عن حيز الموضوع المكتوب عنه في تلك المقالة أو الرأي، وذهب بنا نحو مناحي بعيدة ومتعددة الوجوه في التسويف بالكلام والمغالطات التي لا تمت للحقيقة بصلة، وربما هذا ينم عن عدم قبول رأي الطرف الآخر بالتعامي عن الحقيقة ومحاولة فرض الرأي المنفرد، فما معنى ذلك؟! هل يعود ذلك لقصور الوعي المعرفي عند البعض! الذين يتشبثون بآرائهم حتى ولو كان على سبيل الحقيقة في تلك المغالطات الفجة والظاهرة جلية للعيان، لتأتي ردودهم مفعمة بالحماس الزائد على حده والمتسم بالضبابية التي تعوق المفهوم القرائي للقارئ، مما تجعله في منطقة أكثر متاهة وضبابية وتشويها لما هو مكتوب عبر تلك المقالة أو الرأي والمراد بهما إثراء (النقاش) لكي تأتي الردود بعقلانية متزنة خالية من الصخب والضجيج المفتعل، في وجه الكتاب المتنورين الذين يهمهم بالدرجة الأولى التنوير والتطوير في أساليب صيرورة النقاشات والحوارات كيف ينبغي لها أن تكون، وفق أساليب حضارية تعود بالفائدة المرجوة نحو ثقافة الحضارات التي هي مصدر قوة الأوطان نحو حضارة خالدة.
إن (النقاش) متى كان أكثر أصغى وفهم وبأسلوب هادئ ورصين يستمتع به الجميع ويكون موضع ابتهاج عند الكل، ويقرب المسافة بين الطرفين ويبعد سبل التناحر والافتراق ويسد هوة التخوين والأكاذيب التي لا يستفيد منها إلا قاصرو النظر الذين لا يرون للحياة معنى وقيمة، معنى المحبة والألفة بين أبناء الوطن، والقيمة التي يجنون من خلالها ثمار التعاضد والمؤازرة بين بعضهم البعض.
فكاتب المقالة أو الرأي بشر معرض للخطأ والصواب، فإن بدر منه خطأ فيجب (تصويبه) بالرد الهادئ الرصين المصاحب بالدليل الذي تقارع به الحجة بالحجة السليمة، دون التعسف بالكلام الذي يشوش على القارئ ويبعث على البلبلة بينه وبين (الكاتب)، بينما القارئ يأنس بما يكتبه الكاتب له ويستمتع بأطروحاته النيرة البناءة، فلماذا تمارس عملية الهدم وتشويه كل ما هو جميل في حق القراء من قبل أصحاب هذه الردود العقيمة الذين (يستترون) وراء أسماء وهمية لم تكن لديهم الشجاعة والجرأة لوضع أسمائهم الحقيقية. الذي أراه أنه من حق الصحيفة أن تحجب هذه المهاترات حينما تخرج عن اللياقة والأدب، مثل هذه الأوصاف البذيئة أنت علماني أنت لبرالي أنت إلى آخره فالقائمة طويلة في غاية البذاءة.
فلماذا هذه المناكفة؟ وبماذا تعود علينا؟ إنني استاء منها حينما تحمل صفة الهجوم غير المبرر على الكاتب، بينما مقالته أو رأيه واضح لا لبس فيه، وما كتبه إلا لكي يسمع رأي الطرف الآخر حيال ذلك ليستدرك ما ينبغي استدراكه.. إلا أنه يفاجأ بالردود المخيبة للآمال التي لا تتماهى مع سياق الحديث ومع احترامه ككاتب واحترام (الصحيفة) التي أوجدت بأريحية مساحة (للردود).
إنه يجب علينا خلق الرأفة والمحبة والتسامح وعدم تصيد هفوات الآخرين غير المقصودة، والرد في موجبات الردود السليمة الخالية من الهمز واللمز، لأنه من (المعيب) أن تصف أخاك المواطن بما لا تستسيغ أن توصَف به بهتانا وزوراً، وهذه ليست من صفات المسلم العاقل الذي وهبه الله سبحانه وتعالى الصفات والخصال الحميدة، فلماذا نتجشم عناء الكبرياء والمكابرة وادعاء (المفهومية) بكل شيء؟! بالتحليل والنقد والتكهن الذي ربما تكون حصيلته أوهام مبنية على معلومات زائفة ناضحة المغالطة ومنقولة عن فلان من الناس، ثم من هذا الفلان؟ الذي لا يفقه من (العلم) شيئاً، بقدر ما هي وسيلة النقل التي لم تصل لمرحلة العقل الناضج ليميز بين الخطأ والصواب، ويظل مشوشاً علينا ومشوشاً أيضاً على ذاته مضطرب السلوك تتقاذفه الظنون والشكوك في كل ما حوله، ولم يستطع أن يعوض وجوده وثباته ومداركه المعرفية، إلا بممارسة الغوغائية والفوضى والنكد على الآخرين، الذين ينعمون بالثقة بالنفس والراحة وتتملكهم الطمأنينة في معلوماتهم الجمة الواثقين منها مثلما هي ثقافتهم وأطروحاتهم التي لا تشوبها شائبة.
وحينما أوجد (الحوار الوطني) كان الهدف من إيجاده هو خلق روح الحب والتسامح والإصغاء للطرف الآخر نحو تقريب وجهات النظر بين الطرفين من أبناء وبنات الوطن، وفتح المجال بالمشاركة عامة، وقد قام بالإشراف على هذا المنجز الحضاري الكبير، رجال أفاضل يساعدهم إخوة لهم في تنسيق وإدارة هذا الحوار الوطني بغية الوصول لهدف (سام) وهو الوصول بنا إلى كيفية التعامل مع الطرف الآخر في حواراتنا ونقاشاتنا في كل همومنا الحياتية، وقد اتسمت هذه الحوارات الوطنية بروحانية الصدق والشفافية المتناهية.
لذا حري بنا أن نتخذ من سمة الحوار الوطني الجميل نبراسا لنا، والاقتداء بما جاء في حيثيات هذه المحاورات التي أتت على مستوى أبناء الوطن عامة، وأنه يحدوني الأمل أن نكون صوتاً واحداً صوتا للوطن الذي من حقه علينا الهدوء والتعقل والمشاركة في خلق مجتمع أسري متحاب يتقبل كل الآراء الصائبة البعيدة كل البعد عن الغوغائية في التشبث بالرأي الواحد، دون الإصغاء لرأي الطرف الآخر الذي هو المكمل لتوحد الرأي عموماً، ولنكن رأياً واحداً ويداً واحدة في نبذ روح الفرقة والاختلاف التي تزيد أبناء الوطن نفوراً ونذوراً بالكراهية والحقد بين بعضنا البعض، وهذا ما لا نريده والعياذ بالله.
- جدة