قالت: أريده أن يكون غنياً، وأن نجوب بلدان العالم، وأن أشتري بماله جميع ما أحلم به، وأن نعيش بسعادة هانئة لا يكدر صفوها شيء. كان هذا رد إحدى الطالبات الجامعيات حينما سألتها صديقتها عن مواصفات فارس الأحلام المنتظر. |
والسؤال المطروح هنا: هل فعلاً السعادة لا توجد إلا عند أهل المال والثراء وعلى النقيض من ذلك فالفقراء الكادحون هم أتعس الناس؟! هل من يقطن أعظم القصور ويهجع في أفضل الدور هو من يهنأ بالسعادة وينعم بها بينما ذاك المسكين الذي بالكاد يجد قوت يومه وينام على الحصير في كوخ يضيء النور فيه تارة وينطفئ تارة أخرى بسبب السراج المهترئ لا يجد للسعادة مسلكاً ولا للسرور طريقاً؟ |
لا أبالغ إن قلت إن أكثر الأغنياء هم أبعد من يكون عن السعادة وأن قاطني الأكواخ والمشردين يتقلبون بين أغصان السعادة وينعمون بسكون النفس وهدوء البال ما لو علم به الأغنياء لجالدوهم عليها بالسيوف، يقول الشاعر أبو الحسن التهامي: |
نزداد هماً كلما ازددنا غنى |
فالفقر كل الفقر في الإكثار |
ما زاد فوق الزاد خلف ضائعاً |
في حادث أو وارث أو عار |
وليست السعادة بكثرة دخل المرء وما يجني من مال وإلا لكان أهل السويد هم أسعد الخلائق وأرغدهم عيشاً ولما سجلوا أعلى الأرقام في العالم في حالات الانتحار الهائلة فيها. |
يقول لاوتسو: (السعادة تولد في البؤس، والبؤس يختبئ في قلب السعادة) ويقول لافونتين: (السعادة قناعة، فلا الذهب ولا العظمة يجعلانا سعداء). |
ويختصر نبي الرحمة المهداة -صلى الله عليه وسلم- السعادة التي يلهث خلفها الجميع ويطلب ودها الكل في ثلاثة أمور: (من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها). |
الصحة والأمن والطعام الذي يسد الرمق بالإضافة إلى البذل والعطاء والروح النقية القانعة وإدخال البهجة إلى قلوب الآخرين ولو بالكلمة الطيبة هي جوهر السعادة ولب السرور. |
فيا أيها الفقير ارضَ بما كتب الله لك ولا تظن ولو لوهلة بأن من يقبع في القصر المجاور لك يتفيأ في ظلال السعادة ويقطف من زهورها ويجني من رحيقها، بل اعلم أنه لو ذاق حلاوة ما أنت فيه وشرب من نفس المعين الذي تنهل منه لما رضي أن يبرح خطوة واحدة خارج كوخك! |
|