رحيل أحبائنا عن دنيانا أمر مفجع للقلب ومؤلم للنفس وذراف للدمع فكيف إذا كان هذا الحبيب أبي (أحمد بن علي الجوير) أبو علي رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته غادرنا من دنيا الفناء إلى دار القرار، في فجر يوم السبت الموافق 5-10-1429هـ تحولت فيه فرحة العيد إلى حزن، أبدله الله بعيد الدنيا المؤقتة الزائلة بنعيم مقيم بضيافة رب كريم رحيم، فكم تمنينا بقاءه ولكن الأجل حال بيننا، رحل بعد صبر وعناء وشلل أقعده سنين طويلة مع تفاقم المرض في آخر أيام حياته فقلت حيلته وضعف قوته إلا بربه جل وعلا ضرب فيها أروع مراتب الصبر كان صابراً ومحتسباً كما عهدته أيام صحته ونشاطه ونموذجاً لأسمى صور البذل والعطاء، ذهب والدي وهذه قدرة الله يفعل ما يشاء ولكن أبقى بعده ذكراً خالداً.
وإن تذكرت مآثر والدي أحمد ... فهو الكريم مقدم معطاء
فهو من أعيان محافظة الزلفي وابن عم عبدالرحمن بن أحمد الفرهود (ابن روق) رحمه الله وكان شعار والدي رحمه الله خذ الحق وأعط الحق واصدع بالحق ولو على المقربين، اشتهر بالزهد والتبرع بالأعمال الخيرية له يد بيضاء في مساعدة الأيتام والفقراء عند الدوائر الحكومية والأغنياء، عضو في توزيع زكاة الحبوب للمحتاجين في منزله وتوزيع ثمرة مزرعته كاملة داخل المملكة وخارجها لمن هم بحاجتها والتبرع في مياه سبيل (حلو) من مزرعته للحاضر والباد حتى وفاته رحمه الله.. وكان رحمه الله يصوم رمضان كاملاً في مكة المكرمة منذ ثلاثين سنة، وله جهود في إفطار الصائمين في أروقة الحرم المكي منذ ربع قرن ولقد قام الفقيد رحمه الله بأربعين حجة منها حجتان على الأبل، كان عضواً فعالاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وله الفضل بعد الله في إيجاد مقر لمركز هيئة علقة بمحافظة الزلفي تطوعاً، ومن المشاركين في مروى علقة (السقيا) وعضو في لجنة إصلاح ذات البين حتى أيام مرضه، وممثل عن أهالي علقة في متطلبات أهاليها وعضو في لجنة المحافظة على روضة السبلة بمحافظة الزلفي التي أوقفها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- لأهالي المحافظة، وعنده الغيرة على دين الله ومحارم الله ولا يخاف في الله لومة لائم، وله اهتمام رحمه الله بالعلم في حضور جميع المحاضرات التي تقام في جامع الملك عبدالعزيز وجامع الغنام بمحافظة الزلفي قبل مرضه وإقامة حلقات الذكر في التسعينيات وجلب الدعاء من القصيم والزلفي إلى علقة.. وكذلك إقامة حلقة في منزله في السبعينيات للقرآن وقراءة رياض الصالحين على الأمهات ما بين المغرب والعشاء، وكانت له جهود متميزة في المحافظة على مقبرة علقة ومنع تسرب المياه إليها ونظافتها من الأشجار وذلك بطلب ومتابعة إلغاء الحديقة المجاورة للمقبرة من الشرق والتي تكللت بالنجاح فتم إلغاؤها، فكانت هي مثواه في دنيا زائلة، وكان رحمه الله يأمر أولاده بالصلاة فهي على لسانه دائماً وكذلك التسامح على المسيئين له ونظافة القلب ولا يرى له حق، ومن المبادرين بالسلام على القريب والبعيد وحتى مرضه لم يمنعه بأن يوصي أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعدم التراخي ومطالبته لهم بالمواصلة والاجتهاد مهما تعددت المصاعب وأن يحتسبوا الله في ذلك، فرحمك الله يا والدي فلو أظل أذكر محاسنك ومآثرك لعجزت الأقلام عن كتابتها جعلها الله في ميزان حسناتك فلقد خلدت لك الذكر الحسن والعمل الصالح، وستبقى معنا يا والدي وستلازمنا للأبد وستظل محبتك في أعماقنا ولن تفارقنا ذكرياتك واجتماعنا حولك في الأعياد والمناسبات، ومما خفف من لوعة فراق الموت حينما تذكرت زيارتي لك أنا وأهلي في العناية المركزة بالمستشفى وقبل أن تفارق روحك جسدك دعوت لأمي رحمها الله بالرحمة والغفران ولي ولأهلي ولذريتي وإخواني وأخواتي وأقاربنا جميعاً بالصلاح وفاضت روحك الطاهرة وأنت راضٍ عنا، فلك مني عهد يا أبي بأن يصل الدعاء بيننا ما دمت على قيد الحياة.
وأسأل الله الحي القيوم أن يجعل ما أصابك تكفيراً لذنوبك مقدماً وأن يجمعنا بك مع والدتي ووالديكم رحمهم الله في دار كرامته في الفردوس الأعلى.
وإنني أعزي نفسي والعزاء موصول لعمنا جوير وإخواني وأخواتي وأقاربنا جميعاً، ويمتد الدعاء والشكر لكل من واسانا في فقيدنا سواء أكان حضورياً أم هاتفياً وجعل ذلك في موازين حسناتهم.
رحمك الله يا والدي رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته.. وختاماً {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.