Al Jazirah NewsPaper Tuesday  28/10/2008 G Issue 13179
الثلاثاء 29 شوال 1429   العدد  13179

وغاب الـ(بدر)
عبدالرحمن بن عبدالله الخميس

 

كان بدراً في علمه ودينه، كان بدراً في بره وصلته، كان بدراً في إشراقته وطلاقة محياه وحسن خلقه، إن حسن الخُلُق أبهى... للفتى من حسن خَلقه، كان شيخاً في علمه شاباً في عمره -لم يتجاوز الخامسة والعشرين-، شاباً يعشق مجالس الشيوخ ينهل من معينهم الصافي علماً وأدباً، فمن جدَّتَيه من قبل أمه وأبيه يستنطق منهما أخبار الماضين وقصصهم وقصائدهم مصطحباً معه جهاز التسجيل ليحفظها ويدونها، إلى المشايخ الكبار كابن باز وابن عثيمين وابن جبرين وغيرهم كثير، أعجبُ منه عندما كنت أراه شاباً يافعاً لم يتجاوز السبع عشرة عاماً يحضر إلى بعض تلك الحلقات والمجالس مواظباً ومقيداً حتى بز أقرانه وبعض شيوخه، بل لم يسمع بعالم من الأشياخ إلا وانطلق إليه ليقرأ عليه وينهل من علمه، فمن القصيم إلى تبوك إلى المدينة إلى غيرها من مدن المملكة، لم يرض أن يكون حافظاً للقرآن فحسب حتى طلبه بالأسانيد المتصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مشايخ المدينة، كان يستمتع بقضاء إجازته الصيفية ثانياً ركبتيه في الدورات الصيفية العلمية عند الشيخ ابن عثيمين في القصيم ثم عند من بعده من العلماء.

فأثبتّ في كلّ المواطن همّةً... إلى طلب العلم الذي كان مطّرح كان البِر متلبساً به حتى أن صعود الجبال وتكسير الصخور أهون عليه من قول (لا) لوالديه، وكأنه يتمثل قول القائل:

ما قال لا قط إلا في تشهده

لولا التشهد كانت لاءه نعم

تم اختيار الشيخ بدر بن محمد بن عبدالعزيز المحمود قاضياً بعد تخرجه من كلية الشريعة ثم واصل دراسته في المعهد العالي للقضاء، واخترمته المنية ولما يكمل بعد. قال عنه الشيخ ابن جبرين أثناء زيارته لتعزيتنا فيه: (كان من خاصة تلاميذي، وكان يذكرني بجده عبدالعزيز -والذي كان داعيةً حافظاً للشعر وأخبار العرب-، وقلما سألته عن كتاب من كتب أهل العلم إلا وقال عندي...)،

أغرّ نجيبُ الوالدين كأنهُ...

حسامٌ جَلَتْ عنه العيون صقيلُ

ضرب المثل الأعلى في عشق الكتاب حتى ضاق بيت أهله بالكتب ثم توسع في ذلك حتى جعلها في شقة مستقله يخلو بها ويكتحل بأوراقها.

لم يكن مستغرباً على شاب بهذه الصفات وهذا الرصيد الضخم من الأعمال الصالحة حال حياته أن يختم له بخاتمة حسنة أثناء عودته من اعتكافه العشر الأواخر من رمضان في الحرم النبوي إثر حادث أليم في ليلة العيد.

كان عيداً لبدر يلقى الله تعالى بعد شهر قضاه بين دفتي المصحف راكعاً ساجداً في مدينة الحبيب المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، صاحباً معه شفاعة القرآن والصيام، وكان التوديع بسماع آخر شريط وجد في سيارته بعنوان (وداعاً رمضان)، ليودع آخر رمضان في حياته بهذا الختام المعطر بالمسك، رافعاً سبباته بالشهادة طيلة انتقاله بسيارة الأسعاف حتى فاضت روحه إلى باريها.

كان المصاب بفقده ليس على والديه وإخوانه وأخواته فحسب بل كان على كل من عرف بدر من الأقارب والأصدقاء والعلماء لكن عزاؤنا في حميد العاقبة وحسن الخاتمة، وفي الحديث: (إذا مات ولد الرجل يقول الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: فماذا قال عبدي؟ قال: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد) أخرجه أحمد والترمذي.

فصبراً أياخالي المكلوم تنل به

ما أوعد الرحمن من بشرى لصاحبه

فاللهم اغفر لبدر وارحمه واجمعه ووالديه وإخوانه وأخواته وأحبابه في عليين، وأنزل السكينة والطمأنينة والرضا على قلب والديه،،،


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد