يعجز القلم، وتكل الأيادي، وتتقاصر العبارات، وتتزاحم الصور حينما يأتي الحديث عن العظماء من الرجال، والأفذاذ من الكرام، والنوادر من القادة، ويجد المرء نفسه أمام بحر لا ساحل له، وعمق لا مدى له، ذلكم هو الحال حينما يحاول المتحدث والكاتب رصد سمات أمير الإنسانية، ورائد الأعمال التطوعية، والباذل في أبواب الخير والبر والإحسان إلى البشرية، إنه الصرح الشامخ، والطود الأشم، واليد المعطاء صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله وأمد في عمره على الطاعة والإيمان، وأدام عليه نعمه الظاهرة والباطنة - ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، فلقد شرفنا بلقائه في مناسبة كانت ضمن مناسبات الخير المتكررة، وذلك في مناسبة علمية متميزة، في منطقة من مناطق وطننا الحبيب في تبوك البهية، في حفل بهيج زانه حضور الأمير المبارك الأمير سلطان، لافتتاح جامعة الأمير فهد بن سلطان في مدينة تبوك، يوم الأربعاء 8-10-1429هـ.
وجال بخاطري وأنا أشنف سمعي، وأمتع ناظري، وأسعد قلبي بحديث الأمير الذي يعبق بالإنسانية والمواطنة الحقة، يطلق فيها أبسط المفردات اللغوية التي تحمل دلالات عظيمة، في كلمة مرتجلة عبر فيها عن سعادته بهذه المناسبة، وإشادته بالرجل الشهم، والأمير الموفق الذي كان وراءها، وهو الأمير فهد بن سلطان، وأعلن فيها عن تبرعه للجامعة بعشرة ملايين ريال سنوياً، وتكفل بدراسة خمسين يتيماً أو معاقاً بلغوا المرحلة الجامعية في هذه الجامعة على حسابه الخاص تكريماً للإنسان وتكريماً للجامعة، فقلت في نفسي: سبحان من خصَّ هذا الأمير المبارك بهذه الخصائص، وميزه بتلك السمات التي ندر أن تجتمع في شخصية واحدة، ورأيت أن أقل واجب تجاه أميرنا المحبوب، وأبرز ما يمكن أن يسطر للأجيال أن تبرز هذه السمات، وأن تذكر هذه المآثر لتكون نبراساً يحتذى، ومثالاً يقتدى به، ولتعبر عن المشاعر التي أرصدها ويرصدها كل مواطن على هذا الثرى الطاهر شكراً لله على أن هيأ لنا هؤلاء القادة الأوفياء، والولاة الصالحين المصلحين، الذين جعلوا رضا الله غايتهم، وخدمة الدين والوطن همهم، وتلمس احتياجات المواطنين ورفع معاناتهم سعادتهم، وما حباهم الله به من مكانة وجاه ومال لإدخال السرور على غيرهم، ثم شكراً لهم على ما يقدمونه لأبناء أمتهم ومجتمعهم، فالشكر لسان الطوية، وعنوان الاختصاص، وشاهد الإخلاص، وليس غرضي إلا أداء بعض الحق المفترض علي تجاه ولاة أمري، ووطني، فأقول مستعيناً الله على ما أقول: الراصد لأعمال صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود وأسلوبه في التعامل، والمتأمل لسيرته - حفظه الله - يجد أنه أمام شخصية فذة، معدودة في نوادر الرجال، لا في جوانب الإنسانية فحسب، بل في كل باب وفي كل مجال، ففي مجال السياسة هو المحنك الذي كتب الله على يده نجاحات متوالية، ومكتسبات للوطن كبيرة، وفي المجال العسكري تنطق الوزارة التي هو على رأس هرمها بالتقدم الهائل والتطور المذهل، وتحقيق طموحات القائد الأعلى للقوات المسلحة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أيده الله وحفظه- وطموحات كل مواطن على هذا البلد، حتى أدرك الجميع ولله الحمد ما تنعم به هذه البلاد من أمن وأمان، وقوة وقدرة، ورغد في العيش وبسط في الرزق، وكل ذلك لم يكن لولا فضل الله أولاً وآخراً، ثم بحنكة هؤلاء الرجال الذين يعيشون هم الوطن والمواطن، وأما في مجال العمل الإنساني والتطوعي، والبذل والسخاء فحدث ولا حرج، وأطلق العنان لعقلك وقلمك وطرفك لترصد جبالاً منها لا في منطقة أو مدينة، بل في أرجاء وطننا الغالي، بل في العالم أجمع، فسمو الأمير الإنسان جبله الله على محبة الخير والعطاء، فهو - يحفظه الله- ندي الكف، جزل العطاء، حين ينتقل من محافظة إلى محافظة، أو من مدينة إلى مدينة نجد أنه يقف على أحوال الوطن والمواطن، ويتفقد الأمور، ويرصد الاحتياجات، ويحضر المناسبات، وهو في هذا الترحال الخير, والتجوال مبارك يعطي بلا منة، ويمنح بلا حدود ويشمل بعطائه فئات المجتمع، وأبواب البر والإحسان، ولا نجد مناسبة يحضرها إلا ويقترن اسمه - حفظه الله- بالبذل والعطاء، فهو صرح شامخ من العطاء، وطود منيف من الكرم، والملاحظ الذي يدركه المتأمل هو الدافع الإنساني في هذا العطاء اللامحدود، الذي يستهدف جوانب الإنسانية بالدرجة الأولى، يواسي الفقراء، ويتحمل نفقات المعاقين والمرضى، ويتبسط مع الأطفال وكبار السن، ويخصهم بعطائه، ومع أنه حصد عدداً من الشهادات الداخلية والعربية والدولية في المجال الإنساني والتطوعي إلا أنها لم تؤثر في أسلوب عطائه، لأن من يبذل ويرجو الخلف من الله، ويعطي وهدفه رفع معاناة الفقراء والمحتاجين، وإدخال السعادة والسرور على الآخرين لا يهمه في هذا السبيل إلا ما عند الله، ويأسرك سموه الكريم بتلك الابتسامة التي تعلو محياه الكريم، والبشاشة التي يلقى بها محدثه، وتظهر في كلماته العامة والخاصة، فهي دلالة أخرى على ما حباه الله به - أيده الله- من خلق عالٍ، وسماحة وطلاقة وجه، زاده الله سروراً وحبوراً، وبارك في عمره وماله وولده، كما أنه في الجوانب التي تعد مشاركة في بناء المجتمع، وإسهاماً في رقيه وتطوره كبناء المستشفيات، أو دعم الجامعات، أو الإسهام في دعم البحوث من خلال كراسي البحوث أو غير ذلك نجد أنه لا يخرج عن هذا النمط، ولا يهدف إلى غير هذا الهدف، فهاهو يفتتح جامعة الأمير فهد بن سلطان، ويبدأ كلمته بقوله: (ماذا أقول عن فهد بن سلطان، كل الذي أريد أن أقوله إن الله سبحانه وتعالى يوفقه لعمل الخير، ويسدده عملاً صالحاً لمواطنينا الكرام) تقدير لمن عمل عملاً يخدم به وطنه، ويطور به مجالاً من المجالات التي يحتاجها، بعبارات تفيض بالشكر لمسدي لنعم، ومولي الفضل من لا تقوم نعمة إلا به، ولا ينالنا فضل إلا منه، ثم في غمرة السرور بهذا الصرح التعليمي الذي يؤمل منه أن يكون لبنة في تحقيق النوعية في التعليم، يثني بهذا الطلب الذي يدل على مدى ما يتسم به من إنسانية وحس مرهف، وهمة عالية تطلب ما عند الله فيقول - حفظه الله -: (وبهذه المناسبة أرجو أن الجامعة تقبل طلبي بإدخال خمسين يتيماً قد وصلوا إلى مستوى الجامعة أو معوقاً وصل إلى مستوى الجامعة، وتكون دراسة الخمسين هؤلاء على حسابي الخاص تكريماً للإنسانية وتكريماً للجامعة نفسها).
الله أكبر، تعيش هذه الطبقة التي تحتاج إلى من يمنحها العطاء، ويشعرها بالأمان في عقل صاحب السمو الملكي، ولا تغيب في هذه اللحظات لتجد العناية والاهتمام، والدعم الذي يحقق لهذه الفئة مواصلة الطريق لمستقبل واعد بإذن الله.
أما المؤشر الثاني من دلالات مثل هذه الرعاية والعناية من سلطان الخير فهو تأكيد ما قامت عليه المملكة من رعاية العلم ومؤسساته، ودعم أدواته وآلياته، فالمملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله، المؤسس الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وإلى هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين ملك الإنسانية جعلت قضية التعليم القضية الأولى؛ لأن أي أمة من الأمم لا تحافظ على هويتها ولا تنهض ولا ترتقي إلى مصاف التطور والرقي إلا إذا عنيت بهذه الركيزة الأساسية، والركن الأهم، والجانب الأقوى للحفاظ على الوجود المعنوي، والشخصية الحضارية المتميزة للإنسان في ذلك المجتمع، ويتم ذلك بالعناية بالعلم بشمولية، تشمل العلم الشرعي الذي أوجبه الله، وجعله أصلاً لمعرفته ومعرفة حقه، وميز أهله، وخصهم بالمكانة والرفعة في نصوص كثيرة، إذ العلم الشرعي كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة.. يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة، تقتص آثارهم، ويقتدى بفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد به منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة).
وتشمل العناية بالعلم التجريبي والتطبيقي الذي يحصل به تقدم الأمة ورقيها، وتحقيقها الاكتفاء الذاتي في شتى مناحي الحياة، وما ورد من نصوص في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنها تشمل هذا وهذا، تشمل العلم الشرعي وسيلة وغاية، تعلماً وتعليماً، صورة وقصداً، وتشمل العلم التجريبي غاية وقصداً، فغايته نفع الأمة، وتحقيق ارتقائها وتطورها وقوتها وتقدمها، وذلك يتحقق بقصد من يسلك هذا السبيل، وهذا من الأمور التي يتميز بها المسلم؛ إذ لا يقف الشرع دون ولوج طرق العلم بنوعيه، فحضارة المسلمين قامت على الإيمان والعلم، والعلم يدعو إلى الإيمان، ودول الإسلام في مختلف العصور، وشتى الأقطار إنما أقامت صروح الحضارة وتقدمت على غيرها من الأمم، وفاقت الحضارات بهذه النظرة الشمولية، وتركت شواهد حضارية تدل على عظمة الدين الإسلامي.
وهذا هو الخط والخطى التي سار عليها قادة هذه البلاد منذ تأسيسها بنفس النهج والاهتمام، وهو ما نشهده ونراه ونشعر به بل ونوقن به من قادتنا في هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أيده الله وحفظه - حيث جعل هذا الهم هو الهاجس الأول، والهم الأكبر، والأولوية المتناهية حتى أثر هذا الهم نقلة نوعية متميزة في مسيرة التعليم العالي، وتجسد هذا الاهتمام في صور الجامعات التي تناثرت في أرجاء وطننا الغالي، وأصبحنا لا تمر فترة إلا ونتسامع بصورة أو أكثر تمثل تطوراً ودعماً لهذه المسيرة المباركة، وما تلك الزيارات الملكية التي دشنت عدداً من الجامعات في مناطق المملكة لتؤدي دورها بجانب الجامعات القائمة إلا شاهد على ذلك.
ويشارك خادم الحرمين الشريفين في هذا الهم، ويعاضده ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز - حفظه الله وأمد في عمره على الطاعة والإيمان - الذي كانت له المواقف المشهودة والحضور الفاعل، والدعم القوي لمسيرة التعليم العالي على وجه الخصوص، وإن أنسَ فلا أنسى ذلك الموقف التاريخي الذي يسطر بأحرف من نور، ويسجله التاريخ في مآثر سلطان الخير الكثيرة والكبيرة، في مسيرة جامعات المملكة عموماً، وجامعتنا جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حينما استقبل سموه وفد الجامعة ممثلا بمديرها وأعضاء مجلس الجامعة فيها في قصر السلام في محافظة جدة في 17-7-1429هـ وكانت منه تلك الروائع والدرر التي بارك فيها مسيرة الجامعة، وقدّر ما تحقق لها من تطور ونمو متسارع في فترة قياسية أوصلها إلى مكانها اللائق بها، وأبهج الحضور باغتباطه بهذا اللقاء، وإتاحة الفرصة له ليلتقي بمسؤولي الجامعة، ثم وجه الجميع بتوجيهات ضافية، وكلمات نيرة، وعبارات مشرقة، تضمنت التأكيد على مرتكز العملية التعليمية الجامعية، وذلك بالعناية بتربية الطلاب والطالبات التربية الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة، التي يزينها اللين والرفق والوسطية وتقدير الأوضاع والظروف، حاثاً سموه الجميع على التحلي بالاستقامة والوسطية والاعتدال وبذل المزيد من العطاء والجهد خدمة للدين ثم المليك ثم الوطن، وقدر لمعالي وزير التعليم العالي - حفظه الله - الذي رتب لهذا اللقاء وسعى فيه وشهده متابعته لأحوال الجامعات، وتزويده بأخبارها أولا بأول، لا سيما هذه الجامعة الرائدة التي لها مكانتها ورسالتها المهمة في الداخل والخارج، ولها مكانة خاصة لدى سموه، ومثل هذا الموقف ليس غريباً على سموه، فقد تعودت الجامعات منه مثل هذا الدعم والمؤازرة والمساندة والتوجيه والتسديد والمتابعة، ناهيك عن أن مثل هذا التكريم الذي طوقنا به سموه، والتميز الذي خصنا به، والتوجيهات السديدة، والكلمات الوضاءة الصادقة النابعة من قلب سموه ستجد أثرها في نفوسنا، وستكون نبراسا لنا في الجدية والعمل والولاء والسمع والطاعة ولزوم الجماعة، والالتفاف حول ولاة أمرنا وعلمائنا، وزرع هذه المعاني العظيمة، والدلالات المهمة في نفوس أبنائنا، وتأكيدها في مسيرة الجامعة، حتى تشكل صورة من صور الأمن الفكري المطلوب لمحاربة كل فكر منحرف، ومبدأ ضال، وصورة دخيلة على مجتمعنا، لننأى بمجتمعنا ووطننا عن كل ما من شأنه أن يخل بأمنه أو ثوابته أو مقدراته أو مكتسباته.
وأوردت مثل هذا اللقاء كشاهد من الشواهد الكثيرة على ما ذكرته من مواقف رائدة لسلطان الخير - حفظه الله - ولكني أقول أيضا إن هذه الرعاية والعناية لم تقتصر على الجامعات الحكومية، بل شملت التعليم العالي عبر المؤسسات والقطاع الخاص، فلقد شجعت الدولة - رعاها الله - القطاع الخاص على تبني مشروعات تعليمية توفر التعليم العالي، وتكلل جهود المؤسسات الحكومية، وتؤدي دوراً مهماً في التنمية التي تشهدها بلادنا الغالية، وهذا ما حصل من سلطان الخير، فحضوره - يحفظه الله - لمناسبتين متتاليتين في منطقتين متباعدتين، من شمال المملكة إلى شرقها، فالأولى ما تحدثت عنه آنفاً من افتتاحه لجامعة الأمير فهد بن سلطان في تبوك، والثانية: افتتاح جامعة الأمير محمد بن فهد الأهلية بالخبر في المنطقة الشرقية، وفي كل زيارة يعلن - حفظه الله - تبرعه بعشرة ملايين سنوياً للجامعة دعماً لها، وهذا ترسيخ لما سارت عليه المملكة العربية السعودية، وتأكيد لهذه القاعدة المهمة.
والمؤشر الثالث الذي نلمحه من رعاية سلطان الخير لمثل هذه المناسبات العلمية المتميزة ذلك التوجه الذي تفرضه المرحلة التي نعيشها، وهو توجه إلى إيجاد تميز في مخرجات التعليم العالي مبنية على الأخذ بكل أدوات التطور والتقنية، فالأمر كما قال خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وهو يدشن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية: (إننا نعيش في عصر العلم والتقنية، وفي هذا العصر لا توجد قوة حقيقية بدون علم وتقنية، وسوف نظل على هامش العصر ما لم ننجح في التسلح بالعلم وتطوير التقنية)، ولذا فإن هذا التوجه سمة برزت في التعليم العالي الحكومي والأهلي، وأصبح هدفاً تتنافس فيه الجامعات السعودية، وتسعى إلى تحقيقه من خلال آليات كثيرة، ومنها التعاون بين جامعات المملكة والجامعات في العالم العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع، واستقطاب الأساتذة الزائرين الذين لهم تميز وريادة، وخبرة في التأسيس والبناء والتطوير للإفادة من خبراتهم، فمثلاً في الجامعتين المشار إليهما يظهر هذا التوجه جلياً في الجامعة الأولى في منطقة تبوك كان هناك تواصل وتعاون مع الجامعة الأمريكية في بيروت، يهدف إلى تنمية المهارات والمعارف المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والمهن، لمواجهة مسؤوليات الحاضر، واستشراف تحديات المستقبل، وفي جامعة الأمير محمد بن فهد في المنطقة الشرقية يعلن سمو الأمير تركي بن محمد بن فهد نائب رئيس مجلس أمناء الجامعة رئيس مجلس إدارة التعليم أنه ليس الهدف إنشاء مبان تعليمية فحسب، وإنما إنشاء مؤسسة تعليمية تسهم في صنع المستقبل، وإعداد قادته، وفي سبيل تحقق هذا الهدف انتهجت الجامعة نهجاً جديداً في بناء نظامها وبرامجها واتبعت فلسفة معمارية حديثة في تصميم مبانيها، وأنها منذ اليوم الأول لتأسيسها تنشد التميز وتحرص على الجودة والنوعية، لهذا انطلقت من حيث انتهى الآخرون، وحرصت أن تبقى جامعة سعودية آخذة بمواصفات عالمية، ومما لاشك فيه أن هذا منهج سديد، وموقف حميد، ورأي رشيد، حينما تتجه الجهود إلى الكيف دون الكم، وتبنى المعالجات على معرفة الواقع واستشراف المستقبل، لتركيز التعليم، وتحديثه وتطويره، ليواكب المرحلة الآنية، ويستوعب المستقبل بكل مفاجآته وأحداثه وتطوراته، وقد عبر عن هذا التوجه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز في كلمته الضافية في افتتاح جامعة الأمير محمد بن فهد في المنطقة الشرقية، فبعد أن عبر عن سروره وابتهاجه بما أنعم الله سبحانه على هذه البلاد من انتشار التعليم العالي في مناطق المملكة الغالية، وتمكن أبناء وبنات المملكة العربية السعودية من ساحات التنافس العلمي والابتكار والإبداع، قال - يحفظه الله - مبيناً أهمية هذا التوجه وعناية المملكة بذلك: (أيها الأخوة الكرام: اسمحوا لي أن أنتهز هذه المناسبة لأؤكد على اهتمام الدولة بكفاءة مخرجات التعليم والتدريب لأبنائنا وبناتنا، وهو ما يتطلب تحقيق أعلى درجات الجودة الشاملة في برامجنا التعليمية والتدريبية، كما أؤكد على عزم حكومتكم على تذليل الصعاب التي تقف أمام تحقيق هذا الهدف، ومما لا شك فيه أن تشجيع الشراكة مع القطاع الخاص في دعم مسيرة التعليم العالي والبحث العلمي والتنافس الإيجابي في تميز الخدمات والمخرجات يخدم أهدافنا الوطنية).
إن هذه العبارات التي يرسم فيها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز سياسة وتوجها لابد منه في هذه المرحلة لا يعني ضعفا في التعليم وأدواته في مرحلة سبقت، وإنما هو منهج متكامل للتعامل مع التطورات المتلاحقة السريعة، التي أدرك المختصون أنها لا تعالج بالأعمال الفردية، ولا بالرؤية النمطية التي تشكل محدودية في الزمان والمكان، وإنما يكون ذلك بالقرب من الموضوعية، وتوظيف كافة الجهود البشرية، والاستفادة من شتى القدرات الإنتاجية، حتى تواكب العصر، وتحقيق الفاعلية في التعليم بشتى أنواعه ومجالاته، ويعد هذا الأمر الذي أوضحه سلطان الخير من ضمن الأهداف العامة، والأسس الإستراتيجية لخطة التنمية الثالثة 1425- 1426هـ - 1429-1430هـ التي ورد فيها دعم وتشجيع البحث العلمي والتقني لمواكبة التوجه نحو اقتصاد المعرفة.
ولا شك أن الرؤية الشرعية تدعم مثل هذا النهج المتميز، لأن الشرع لا يقف ضد أي تطور ما دام منضبطا بالضوابط الشرعية، ومرتكزا على الثوابت التي لا تتبدل ولا تتغير، فشريعة الإسلام فيها من الشمولية والصلاحية لكل زمان ومكان وأمة، واستيعاب النوازل والقضايا المتجددة عبر العصور من خلال الأدلة الإجمالية والتفصيلية، والقواعد المرعية، والأسس الشرعية، والمقاصد العامة والخاصة ما يستوعب مثل هذا التطور الإيجابي، الذي يحافظ فيه على الأصول، ويؤخذ فيه بأسباب النمو والارتقاء.
والتركيز والنوعية في التعليم العالي يدفع الأنشطة العامة والخاصة نحو التميز، ويضمن استمرارية العمل، وعموم النفع لأفراد الأمة والمجتمع، ويساعد على مواجهة تحديات الواقع بما يناسبها، وكيفية الاستفادة من منجزات العصر دون التنازل عن المبادئ، وهذا الهدف لا يتحقق إلا بمثل هذه الخطط الإستراتيجية والمواقف المشهودة التي جسدها أميرنا المبارك في كلمته، وهذا هو ما انتهجته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجعلته هدفا في جميع شؤونها التعليمية والإدارية والمالية وغيرها، وهو ما ننشده ونسعى إليه، وحققت الجامعة فيه قفزات متتالية وتطمح إلى مستوى متميز، ومكانة عليا فيه بإذن الله.
وبعد فهذه بعض الإشارات والدلالات، والمواقف التاريخية المشهودة، والإنسانية في قلب هذا الأمير الإنسان غير المحدودة التي أصبحت ظاهرة تفرض نفسها على من حولها، ونجما ساطعا يضيء سماء المجد والعز والبذل والعطاء، وتشكل مدرسة في خدمة الإنسانية، وسجلا تاريخيا حافلا بالإنجازات يشهد لها القاصي والداني، ولذا لا غرو أن يتم اختيار هذه الشخصية الفذة لعدة جوائز تكريمية، وأن تمنح شهادات عالمية لقاء هذه الإسهامات المميزة، وأن يختار ضمن قائمة أبرز الذين يعملون على مستوى العالم لحماية البيئة، فلقد كان له في هذا المجال إسهام بارز متميز، لو لم يكن منه إلا تكفله - يحفظه الله - بكرسي الأستاذية في دراسات الطاقة والبيئة بتكلفة قدرها عشرة ملايين ريال سنويا.
ويصح أن نقول ونشهد الله على ما نقول إن أميرنا المبارك المحبوب سلطان الخير يعد في هذا العصر رمزا من رموز العطاء والعمل الإنساني الذي لا يعرف الحدود.
ونقول هنيئا له ما حباه الله به، ونحتسب على الله سبحانه أن يجعله زاده إلى رضوانه والجنة، وهنيئا لوطننا الغالي بمثل هذه المثل العليا التي تمثل قادة الخير، ونسأل الله سبحانه أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وقادتنا وولاة أمرنا وأن يوفقهم إلى كل خير، كما أسأله سبحانه أن يجزل الأجر والمثوبة لسلطان الخير والعطاء، وأن يحفظه ذخرا للعباد والبلاد إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية