كثير من الناس سيكون مشدوداً يوم الرابع من شهر نوفمبر لمعرفة الفائز في الانتخابات الأمريكية، بين حزبين ظلا يتناوبان على السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأة الديمقراطية في تلك البلاد، ولم يكن لأي من المستقلين أو حزب آخر نصيب في هذا الفوز في السباق في دولة ظلت أكثر الدول تأثيراً على مجريات الأحداث العالمية بسبب أوضاعها الاقتصادية والعسكرية والعلمية، فهي تنتج أكثر من خمس إنتاج العالم، وتستورد أربعين في المائة من السلع المصدرة في العالم، وهي أكثر دول العالم تصديراً للسلع والخدمات، وأكثر دول العالم استدانة، وأكثرها عجزاً في الميزانية وأكثرها عجزاً في الميزان التجاري، والولايات المتحدة الأمريكية أقوى دول العالم عسكرياً، وأكثرها بيعاً للسلاح، وربما أكثرها كفاءة وقدرة، والولايات المتحدة الأمريكية، ساهمت بالكثير من مضمار الطلب والهندسة والفضاء والاقتصاد والعلوم الإنسانية والآداب. ولذا فمن حق دولة كهذه أن يهتم العالم بانتخاباتها، وما يجري فيها، فأثره في الغالب يتعدى إلى الكثير من دول العالم الأخرى.
في حلبة السياق لهذه الانتخابات رجل أسمر البشرة في منتصف العمر، يمثل الحزب الديمقراطي مع مرشح لمنصب النائب رجل آخر كبير السن نسبياً حيث يبلغ عمره نحو الرابعة والستين، متمرس في الشؤون السياسية ويرأس اللجنة السياسية في الكونغرس، وفي الجانب الآخر، رجل مسن يشكو من بعض الأمراض، يمثل الحزب الجمهوري، وبجانبه مرشحة لمنصب النائب في ربيع عمرها، قليلة الخبرة، شديدة التمسك بأفكار الحزب اليمينية.
ومهما كانت نتيجة الانتخابات، فلاشك أن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم الآن قد فرضت نفسها أن تكون محور نقاش حاد، إضافة إلى السياسة الضريبية والضمان الاجتماعي والتعليم، وكذلك حرب العراق وأفغانستان، هذا كله حدث، ومن يصنع الحدث يلتفت الناس إليه سواء سلباً أو إيجابياً، بعض من أبناء الدول العربية يتفاءل أو يتشاءم بفوز هذا أو ذاك، ويظنه فاتحة خير أو شر، ويبنى آمالا جساما على ما ستؤول إليه هذه الانتخابات، وبما سيجني من مكاسب أو يتجنب من خسائر، وعندما أصغي إلى القائلين، أهز برأسي متعجباً لحالنا وربما حال من يلينا من أجيال، فلا نريد أن ننظر تحت أقدامنا برهة واحدة لنعتبر ونتعلم، وربما ننظر لنقول ولا نفعل.
العالم يحترم القوى، والعالم يحترم الجاد المخلص لوطنه، الصادق سواء على مستوى الأفراد أو الحكومات، وبمقدار العمل الجاد يكون الاحترام وربما سمع البعض منا، ويقرأ، ويعجب، ويتحدث عن كفاءة الآخرين وقدراتهم وينصح غيره بمسايرة الأمم الجادة، لكنه لا يريد أن يتغير قيد أنملة عما اعتاد عليه من كسل، وما سار عليه من نهج، وما ألفه من شفاعة هنا وهناك يكسر بها كل نظام ليأخذ حقاً ربما لا يكون له حق فيه، أو أن غيره أحق به منه، والمخارج في ذلك كثيرة، ولن يطرق باب حاجة إلا ومعه معول يسمى مخرجاً، يكسر به الباب ليدلف منه إلى فناء المنزل.
الانتخابات آتية، وسيكون بها سابقة سواء فاز الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، فالأول مرشح له رجل أسمر البشرة والده حسين، وهذا حدث جديد، وسابقة فريدة، والثاني له مرشحة لنائب الرئيس وهو ما لم يسجله تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا فالسابقة حالة لا محالة، وعلينا الانتظار.
سواء كان هذا أو ذاك فالجميع متفق على دعم إسرائيل، وأن لها الحق في اختيار ما تراه مناسباً حرباً أو سلماً وما على الولايات المتحدة الأمريكية إلا الدعم في أي اتجاه رأته إسرائيل في صالحها وهذا أمر ظاهر ليس خفياً، تحدث به الحزبان وتنافسا في الانقياد له، ولذا فإن موضوع ربط القضية الفلسطينية بأحداث الانتخابات الأمريكية به الكثير من الوهم.
واتفق الحزبان على أن الاعتماد على نفط الخارج أمر غير مرغوب، وأن على الولايات المتحدة الأمريكية الحد من ذلك، وتباينا في الأسلوب، فالجمهوريون يقولون: علينا حفر الآبار والبحث عن حقول جديدة تغنينا عن نفط غيرنا، مع الاستمرار في البحث عن بدائل، والديمقراطيون يؤكدون أنهم سيتمكنون من إيجاد بدائل صديقة للبيئة على حد زعمهم لتكفيهم شر نفط غيرهم، وعندما أسمع ذلك ابتسم باستغراب لأني أعلم أن في ذلك دغدغة لمشاعر الناخبين؛ لأن البحث عن بدائل لم يتوقف قط، والتمويل يتدفق عليه بسخاء سواء من الحكومات أو من الشركات منذ مدة غير يسيرة، بدءا بما يسمونها أزمة النفط الأولى، وهم جادون في ذلك وحققوا تقدماً كبيراً لكنه، غير كاف بسبب نمو الطلب على النفط نتيجة لزيادة إجمالي الإنتاج العالمي من السلع والخدمات وسيظلون يعملون في معاملهم، ويعكفون على تجاربهم محاولين بكل ما منحهم رب البرية من فطنة أن يجدوا بديلاً يحقق أمانيهم، لكنهم لم يستطعوا حتى الآن الوصول إلى مرادهم، لكن الوصول إلى ذلك المرام ربما يتم فلا عائق يجعله مستحيلاً.
والمطمئن للدول المنتجة للنفط والتي تعتمد عليه في ميزانيتها أن هذه الشنشنة نسمعها من أخزم في كل انتخابات، وتكاد تكون النغمة واحدة والألفاظ لا تخرج عن سابقتها، وطالما أن البديل لم يحدث بشكل يقلل من الاعتماد على النفط بدرجة كبيرة فستظل الدول المعتمدة على أموال النفط في ميزانيتها تنعم بهذا المورد النفيس إذا أحسنت التعامل مع العرض والطلب للوصول إلى سعر مقبول، والأهم أن تبحث عن بديل لمواردها، قبل أن يجدوا بديلاً عن النفط، وطالما أن الفرصة متاحة، فلا أجد مورداً أثمن وأفضل من عقول العاملين وسواعدهم، فهل في عالمنا العربي عقول وسواعد مستغلة؟ لست أدري!!!