الرياض - الجزيرة
تحتفل الجزائر غداً السبت بالذكرى (54) لاندلاع ثورة التحرير وسط إنجازات كبرى ومشروعات طموحة ركزت على المواطن باعتباره الهدف الأول للتنمية، كما انتهجت الجزائر سياسة خارجية مفتوحة مكنتها من تبوء مركز متقدم على الصعيد العربي والعالمي.
وقد أكد السفير الجزائري لحبيب أدامي على عمق العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجزائر، موضحاً بأن العلاقات ازدادت رسوخاً خاصة في ظل قيادتي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأخيه فخامة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بما يوفرانه من إرادة سياسية قوية أدت إلى نمو العلاقات واطرادها بشكل ممتاز.
وتحيي الجزائر الذكرى الرابعة والخمسين لثورتها المجيدة التي اندلعت في أول نوفمبر 1954، مستلهمة منها العزم والإرادة في مواجهة التحديات والتغلب على الصعاب التي تعترض طريق تقدمها وازدهارها، مستهدية في ذلك بما قدمه جيل الثورة المظفرة من تضحيات جسيمة لا تزال مضرب المثل في كل أرجاء العالم، والتي بفضلها انتزعت استقلالها من براثن الاستعمار الفرنسي الذي جثم على صدرها مائة واثنتين وثلاثين سنة (5 يوليو 1830 إلى 5 يوليو 1962).
وإذا كان الرصيد النضالي للثورة الجزائرية بشكل اليوم مفخرة لأبنائها خاصة وللشعوب العربية الشقيقة عامة التي ساندتها وأيدتها ودعمتها ماديا وسياسيا، فإن الحديث عن المآثر التاريخية للثورة التي قارعت الاستعمار الاستيطاني البغيض في بلادنا وأجبرته على الرحيل أمر هام وأساسي حتى تدرك الأجيال التي نشأت بعد الثورة أن العيش في كنف دولة مستقلة مبنية على الحرية والمساواة بين المواطنين لم يكن ليتأتى لولا تضحية الشعب الجزائري بمليون ونصف المليون من أبنائه البررة الذين استشهدوا على مذبح الحرية في حرب قاسية دامت سبع سنوات ونصف (1 نوفمبر 1954 إلى 5 يوليو 1962).
وفي هذا الصدد، يتطلع شعبنا إلى استلهام روح العزيمة والإصرار في مواجهة أي تحد يقف في طريقه من عزيمة وإصرار آبائه وأجداده الذين أبلوا البلاء الحسن في جهادهم المتواصل ضد الاستعمار الفرنسي منذ أن وطأت أقدامه أرض الجزائر سنة 1830 في ثورات متعاقبة إلى أن توجت بثورة التحرير الكبرى سنة 1954 التي وضعت حدا لفترة الاحتلال ونقلت البلاد إلى مرحلة جديدة من البناء والتشييد، حيث بدأ الاهتمام بالمواطن باعتباره الهدف الأول للتنمية، إذ أنه بدون بناء للعقول فلا يمكن الحديث عن أي بناء مادي يمكن أن يشكل تحولا في حياة الشعب المتطلع إلى تحقيق حياة أفضل من تلك التي عرفها في عهد الاستعمار البغيض.
إن هذه السياسة قد مكنت من تركيز الاهتمام على التنمية بمختلف مناحيها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية وأدت إلى انتشار التعليم والرعاية الصحية والفعاليات الثقافية في كافة أرجاء البلاد في وقت قصير من عمر الاستقبال فأصبح المواطن الجزائري يعيش وينعم بخيرات بلاده في جو من الطمأنينة والأمل بمستقبل واعد تتطور معه حياته نحو الأفضل دائما.
تطور الحياة السياسية ومنهجية مكافحة الإرهاب
لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للتنمية، تم التركيز على ترقية المستوى الثقافي والوعي السياسي للمواطن في ظل اختيارات وطنية أساسية وأساليب سريعة لتنمية المجتمع وتحقيق رفاهيته وازدهاره.
ومع قصر المدة الزمنية التي اعتمدت فيها هذه السياسة، فقد تحقق للبلاد الكثير من الإنجازات الهامة التي تشكل اليوم معالم بارزة في حياة الجزائر المستقلة، تدعمت مع الوقت بإحداث تطور دستوري هام أدى إلى إعادة هيكلة الحياة السياسية، حيث انتقلت البلاد بموجبه بداية من سنة 1988 من مرحلة الحزب الواحد إلى التعددية السياسية والإعلامية منسجمة في ذلك مع التغيرات التي بدأ العالم يشهدها في تلك الحقبة، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واندثار النظرية الاشتراكية معه، إلا أن وتيرة التقدم في هذا الاتجاه قد أعاقها الإرهاب المقيت خلال عشرية التسعينيات من القرن الماضي الذي استهدف كل شيء في الجزائر، ولكن بفضل من الله ثم بعزيمة الشعب الجزائري المجاهد وفي طليعته قوات الجيش الوطني الشعبي ومصالح الأمن، تمكنت البلاد من السيطرة على الوضع واستعادة الأمن والطمأنينة، لا سيما في ضوء تطبيق قانون الوئام المدني لسنة 1999 وميثاق السلم والمصالحة الوطنية لسنة 2005، ما سمح للدولة أن تواصل مهامها التنموية على أسس اقتصادية متينة تأخذ في الاعتبار أهمية إشباع حاجة المجمع المتزايدة من السلع والخدمات وجودة ونوعية هذه السلع والخدمات وقدرتها على المنافسة بعد أن تم فتح السوق الجزائرية للمنتجات الأجنبية وفقاً لآليات اقتصاد السوق المعتمدة حديثاً.
برامج ومخططات دعم التنمية الاقتصادية
في هذا الإطار، قرر فخامة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، رئيس الجمهورية مواصلة برنامجه الخاص بدعم النمو الذي انطلق في مرحلته الأولى ببرنامج دعم الإنعاش الاقتصادي الذي أسفر عن نتائج جد إيجابية، كما تم اعتماد برنامج خماسي تكميلي لدعم النمو تقدر تكاليفه بستين (60) مليار دولار أمريكي، ويشمل خمسة محاور، هي:
- تحسين ظروف المعيشة للمواطنين.
- تطوير المنشآت القاعدية.
- دعم النمو الاقتصادي.
- تحديث الخدمة العمومية.
- ترقية تكنولوجيات الاتصال الجديدة.
غير أن المحورين الأولين هما اللذان يشكلان الأولوية بالفعل، حيث خصص لهما على التوالي 45.5 و40.5 بالمائة من الغلاف المالي الإجمالي، وذلك لضرورة الإسراع في تصحيح النقائص الملحوظة في عدد من الميادين.
يشتمل البرنامج الأخير أيضا على إنجاز مليون مسكن وسبعة عشر (17) مستشفى وخمس وخمسين (55) مصحة، بالإضافة إلى جملة من المشاريع تتعلق بتوفير مياه الشرب وإيصال الغاز والكهرباء إلى منازل المواطنين.
كما تم الشروع في إنجاز مشاريع كبرى في مجال المنشآت القاعدية، ومنها على الخصوص:
- تحديث السكة الحديدية للشمال بطول 1220 كلم.
- تجهيز مترو العاصمة ودراسة إمكانية امتداده.
- إنجاز سلك التراموي في المدن الكبيرة.
- إنجاز ثلاثة مطارات جديدة.
- إنجاز الطريق السريع شرق غرب (الحدود المغربية إلى الحدود التونسية) بطولة 1213 كلم.
- إنجاز ثمانية (8) سدود جديدة تضاف إلى شبكة السدود المتوفرة.
وبالموازاة مع ذلك أعلن فخامة السيد رئيس الجمهورية في سبتمبر 2005 عن البرنامج التكميلي لتنمية الهضاب الذي خصص له مبلغ إجمالي قدرة تسعة (9) ملايين دولار أمريكي.
علماً بأن الجزائر تتوفر على بنية أساسية قوية تشكل الأساس المتين لعملية النمو والتطور الجارية، وتتمثل على الخصوص في:
- (100) ألف كلم من الطرق البرية المعبدة.
- (7500) كلم تمثل شبكة السكك الحديدية.
- (30) ميناء بحريا على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، حيث يبلغ طول الساحل الجزائري أكثر من (1200) كلم.
- (35) مطاراً، ثلاثة عشر مطاراً منها ترقى على المقاييس الدولية، أما شبكة النقل الداخلي فهي جد متطورة.
- (62) جامعة ومركزاً جامعياً يتخرج منها سنويا عشرات الآلاف من حملة الشهادات العليا في كافة التخصصات التي يتطلبها سوق العمل.
- (2500) مركز للتكوين المهني عاماً وخاصاً.
- تغطي الكهرباء نسبة 95 بالمائة من عموم التراب الوطني الممتد على مساحة تبلغ حوالي مليونين وأربعمائة (2.4) ألف كلم مربع، وتنتج الجزائر في هذا الخصوص ما يزيد على (7) آلاف ميغاوات من الكهرباء.
- بناء العديد من السدود الجديدة لتوفير مياه الشرب والري للمواطنين والاتجاه في نفس الوقت إلى إنشاء (15) محطة لتحلية مياه البحر، منها محطتان دشنتا قبل أشهر قليلة من الآن في كل من العاصمة ومدينة أرزيو، وتعتبر محطة العاصمة الأكبر من نوعها في أفريقيا.
مما لا شك فيه أن هذه الإنجازات الهامة على مستوى البنية الأساسية قد وفرت بيئة مناسبة للاستثمار الوطني والأجنبية على أرض لا تزال بكراً بالنظر إلى قصر فترة تحول الاقتصاد الوطني من اقتصاد مركزي مخطط إلى اقتصاد السوق، حيث بدأت رؤوس الأموال الباحثة عن فرص الاستثمار الآمن والمضمون النتائج تفد إلى الجزائر، لا سيما من الدول العربية الشقيقة من دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
علماً بأن النشاط الاقتصادي الذي يستهدفه قطاع العمران وقطاع السياحة الذي لم تستغل إمكانياته الهائلة حتى الآن، خصوصاً وأن البلاد تتوفر على شاطئ بحري يتميز بمناظر طبيعية خلابة، إلى جانب السياحة الصحراوية التي تستطيع أن تضمن مردوداً عالياً إذا ما أحسن استغلالها على الوجه المطلوب.
في المجال الاجتماعي، يمكن الإشارة باختصار شديد إلى أهم الإنجازات التالية:
التربية والتعليم العالي والبحث العلمي
- مجانية التعليم وإلزاميته من سن ست (6) سنوات إلى سن ستة عشرة (16) سنة.
- وجود ثلث سكان الجزائر البالغ عددهم خمسة وثلاثون (35) مليون نسمة في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانويات والجامعات بواقع اثني عشر (12) مليون بين تلميذ وطالب جامعي.
- يبلغ عدد الطلبة الجامعيين وحدهم مليون ومائتي (1.2) ألف طالب وطالبة في مختلف التخصصات، وسيبلغ العدد الإجمالي لهؤلاء الطلبة سنة 2010 مليون ونصف (1.5) المليون طالب وطالبة.
يستفيد مجموع هؤلاء الطلبة من المنح الدراسية والتغطية الصحية والنقل المجاني والإطعام بسعر رمزي (0.016 دولار أمريكي) للوجبة الواحدة، بالإضافة إلى أن خمسين (50) بالمائة منهم يستفيدون من الإيواء في الأحياء الجامعية.
الصحة والسكان
- تتولى الدولة مسؤولية حماية الصحة العامة للمواطنين عن طريق الوقاية من الأمراض ومكافحة الأوبئة والأمراض المعدية، والتكفل بذوي الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى حماية الأمومة والطفولة، وكذلك التكفل بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة ورعاية الشيخوخة والطفولة المسعفة.
- الاستمرار في دعم مكاسب الطب المجاني الذي تستفيد منه كافة شرائح المجتمع بدون استثناء أو تمييز عبر المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية العمومية المنتشرة في كافة مدن وقرى البلاد.
إن هذه السياسة الاجتماعية التي تنتهجها الدولة منذ الاستقلال إلى اليوم قد كرست مفهوم التضامن والتكافل الاجتماعي بين المواطنين الذي يعد أحد أبرز القيم الراسخة لدى شعبنا عبر تاريخه الطويل، ويتدعم اليوم بمجهودات إضافية هامة تبذلها جمعيات ومنظمات المجتمع المدني في مختلف المجالات بعد أن أصبحت الحاجة ماسة إليها لتغطي الكثير من العمل الخيري والنشاط الاجتماعي تعضيداً لجهود الدولة على هذا الصعيد.
علماً بأن عدد هذه الجمعيات والمنظمات يزيد على خمس وخمسين (55) ألف جمعية ومنظمة تم إنشاؤها واعتمادها في إطار قانون الجمعيات الوطني.
العلاقات الجزائرية - السعودية
تحملت المملكة العربية السعودية مسؤولياتها القومية كاملة في دعم الثورة الجزائرية ماديا ودبلوماسيا وسياسيا إلى أن تحقق لها الانتصار في سنة 1962، وهو جميل لن ينساه الشعب الجزائري للمملكة وقيادتها وشعبها.
كان ولا يزال التواصل قائما على الدوام بين الشعبين الجزائري والسعودي من جهة، وبين القيادتين الجزائرية والسعودية من جهة أخرى، ما سمح بإقامة أفضل العلاقات بين البلدين التي تعمقت وازدادت رسوخاً خاصة في ظل قيادتي فخامة السيد عبدالعزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بما يوفرانه لها من إرادة سياسية قوية أدت إلى نموها واطرادها بهذا الشكل الذي يدعو إلى الارتياح.
ويجدر التنويه في هذا الخصوص إلى ترسيخ سنة التشاور بين قائدي البلدين إزاء كل القضايا التي تهم سياسة البلدين وإلى تواصلهما المستمر تجاه ما يخدم المصلحة المشتركة للبلدين الشقيقين ويعزز من دورهما المشهود على الساحات العربية والإقليمية والدولية.
وقد أثمرت الجهود الموصولة لتطوير العلاقات الثنائية القيام بالعديد من الزيارات المتبادلة للمسؤولين السامين إلى كل من البلدين، ومن بينها الزيارات التي تدخل في إطار النشاطات متعددة الأطراف (جامعة الدول العربية - منظمة المؤتمر الإسلامي - الفضاءات الدولية ذات الطابع الاقتصادي).
ومن أجل المضي بالعلاقات إلى آفاقها المرجوة، عقدت اللجنة المشتركة الكبرى الجزائرية - السعودية اجتماعها السابع بالرياض منتصف شهر يناير 2008 وانتهت إلى توقيع محضر تضمن تحديد الأولويات والنهوض بالعلاقات الثنائية إلى المستوى الذي ينشده البلدان في كافة المجالات.
كما تم التوقيع بالجزائر على آلية التشاور السياسي بين وزارتي الخارجية في البلدين بمناسبة زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل إلى الجزائر منتصف شهر مارس (آذار) 2008، حيث ستعقد هذه الآلية اجتماعاتها بالتناوب في عاصمتي البلدين بغية تنسيق مواقفهما إزاء القضايا العربية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
في السياق ذاته، أنتجت الإرادة السياسية لكل من فخامة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حركية واضحة في تنشيط التعاون بين البلدين الذي مسّ قطاعات مختلفة مدنية وعسكرية، إلى جانب تبادل الزيارات بين وفود رجال الأعمال الجزائريين والسعوديين بهدف استكشاف فرص الاستثمار وتكثيف التبادل التجاري بين الجانبين.
كما كان للثقافة أيضاً نصيبها من هذه الديناميكية، تمثلت في إقامة فعاليات الأسبوع الثقافي الجزائري بالمملكة خلال شهر أبريل (نيسان) 2007، وفعاليات الأسبوع الثقافي السعودي بالجزائر في شهر ديسمبر (كانون الأول 2007) وهما تظاهرتان من شأنهما المساهمة في زيادة الروابط الثقافية بين البلدين ودعمها وتوطيدها لصالح الشعبين الشقيقين الجزائري والسعودي، وتمثلت هذه الديناميكية أيضاً في مشاركة الجانبين في المؤتمرات والمعارض والتظاهرات الثقافية والمباريات الرياضية المنظمة في البلدين.