د. حسن الشقطي
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند 5538 نقطة خاسرا نحو 623 نقطة جديدة في مسلسل الهبوط المتصل الذي تسببه مخاوف الأزمة المالية العالمية. وقد ازداد الهبوط عنفا في بداية هذا الأسبوع عندما انحدر المؤشر لنقطة متدنية جدا عند 5218 نقطة لتعيد المؤشر إلى مستويات مايو 2004 وقد توالت التطمينات الرسمية للسوق ممثلة في مؤسسة النقد، وقد ارتد المؤشر بفعلها يوم الثلاثاء وبتأثير عوامل إيجابية خارجية أخرى ليربح حوالي 283 نقطة، ثم ما لبث أن عاود الهبوط الاربعاء ليخسر من جديد 84 نقطة.. وقد لوحظ هذا الأسبوع طلب استثماري كثيف على أسهم بعينها هي معادن والأسمنت العربية ونادك، فما الذي يجمع هذه الثلاثة؟ ومن جانب آخر فقد تزايدت أعداد صغار المتداولين العالقين في السوق وأصبحوا في حيرة من أمرهم، وخاصة مع قصر فترات الارتداد التي يحرزها المؤشر.
إن السؤال الذي يطرحه غالبية المتداولين الآن، هل نبقى في السوق؟ أم نخرج منه؟ وإذا بقينا بالسوق، الا توجد احتمالات لتحقيق خسائر أكبر تحتاج لسنوات أعلى لتعويضها؟ وإذا خرجنا منه الآن تكون خسائرنا نهائية ولا أمل في تعويضها؟ أكثر من ذلك، بالنسبة لمن هم خارج السوق، هل يدخلون؟ وأي أسهم يختارون؟
ارتداد الثلاثاء وهبوط الأربعاء:
لقد برزت على السطح يوم الثلاثاء العديد من الأخبار الإيجابية أهمها تحقيق العديد من البورصات الأوربية الآسيوية مكاسب جاءت كبيرة لبعضها، ثم ارتفاع أسعار النفط، وذلك بفعل الأخبار الإيجابية التي وردت من الاقتصاد الأمريكي، وتزامن مع ذلك قيام صندوق التقاعد بشراء كثيف في أسهم (معادن) و(الأسمنت العربية)، وأيضا ظهور شراء كثيف في نادك.. تلا ذلك صعود كبير في صباح الأربعاء بقيادة البنوك حتى وصل المؤشر إلى 5884 نقطة، إلا أنه فجأة ومع منتصف الجلسة بدأ المؤشر يخسر كل مكاسبه ليضيف خسائر جديدة بنحو 84 نقطة.. فهل شراء الكبار في هذه الأسهم هو لبناء أوضاع استثمارية في هذه الأسهم أم للتصريف في أسهم أخرى؟
بدء تكوين مراكز استثمارية في أسهم معينة:
بداية ينبغي أن نؤكد على أن الأزمة العالمية لم تنته، وأن أي ارتداد مهما كان مصدره ومهما كان حجمه لا يعني أنه ارتداد حقيقي، لأنه من الصعب عزل السوق عن المعطيات العالمية التي هي أقوى منه.. ولكن مع ذلك، فينبغي توضيح أن هناك أوضاع استثمارية جذابة في أسهم معينة، وأنه ينصح ببدء الشراء فيها، مثل الإنماء ومعادن وكيان، وغيرها أخريات ينبغي دراستها بدقة.. فكافة الأسهم الاستثمارية التي طرحت خلال العام الأخير والتي انحدرت مستويات أسعارها بنحو يزيد عن 25% للإنماء و54% لمعادن (على سبيل المثال) عن مستويات الإغلاق في اليوم الأول، أصبحت تمثل فرصا استثمارية.. على الأقل بدون مخاطرة مرتفعة.. حتى رغم توقع مزيد من الهبوط.. أيضا يمكن توقع خفوت الأزمة العالمية في أي لحظة، عندها قد لا يجد أي مستثمر أي عروض في هذه الأسهم بمثل هذه الأسعار. لذلك فإن الشراء المتدرج قد يكون أسلوبا مناسبا لمن يتطلعون للاستثمار متوسط وبعيد المدى في السوق. ولعل شراء صندوق التقاعد وأيضا بعض كبار الملاك يدخل في سياق دراستهم الدقيقة لأوضاع الشركات الاستثمارية في السوق.
طلب على أسهم صندوق الاستثمارات العامة :
لقد لوحظ أن الأسهم المطلوبة الآن هي الأسهم التي يمتلك فيها صندوق الاستثمارات العامة حصصا كبيرة.. كما أعتقد أن هناك نوعا من التكامل بين صندوق الاستثمارات وصندوق التقاعد لامتلاك حصص أعلى في أسهم معينة، بالطبع وصلت لأسعار ممتازة الآن.. وفي اعتقادي أن أسهم صندوق الاستثمارات العامة تمتلك خاصيتين : أنها أسهم استثمارية، وأنها شبه مضمونة من الدولة بتواجد الصندوق فيها. لذلك، يمكن للمستثمرين اتخاذ معيار جديد في اختيار أسهمهم يركز على الأسهم التي يكون صندوق الاستثمارات العامة فيها من كبار الملاك.. فضلا عن حداثة السهم أي أن يكون مطروحا حديثا خلال العامين الأخيرين.
التطبيل ومصايد صغار المستثمرين:
لقد أبدى المؤشر اضطرابا شديدا يوم الأربعاء حيث تذبذب بين 5512 إلى 5884 نقطة، وهو تذبذب عال ويمثل خطورة، وربما يكون متعمداً من قبل بعض صناع السوق للتصريف في أسهم معينة، وقد لا يكون تفسيره بأنه جني أرباح مقبول، وقد يكون للصفقات الكبيرة التي تمت يوم الثلاثاء دور في هذا الاضطراب، والذي ينم عن تصريف كميات كبيرة من بعض الأسهم القيادية استغلالا لوضع الصعود يوم الثلاثاء، لذلك فإن إتمام صفقات لشراء كثيف في أسهم استثمارية معينة لا يعني أن السوق أصبح ممتازا وأن أزمته انتهت، بالشكل الذي يغرر بالعديد من صغار المتداولين ليزج بهم من جديد في وضع يزيد من خسائرهم. لذلك ينبغي الحذر ممن يطبلون لكل فعل أو تصرف أو مستجدات محلية أو عالمية، حتى يتم التأكد فعلا من وجود تأثير إيجابي حقيقي لها على السوق.
مدى حقيقة التأثير النفسي للأزمة العالمية
عبارة (إن تأثر سوق الأسهم بالأزمة هو تأثير نفسي فقط) كثر استخدامها هذه الأيام حتى أصبح البعض يعتبرها حقيقة مصدقة لذلك، فإننا نحتاج لمراجعة تحركات السوقية للقطاعات المختلفة للتعرف على : هل التأثير نفسي حقا أم أن هناك جوانب أساسية أخرى تقوده؟ فخلال الأسبوع الماضي خسر قطاع التأمين 16.1%، وخسرت البتروكيماويات 14.4%، وخسرت البنوك 7% والأسمنت 8.1%.. بداية خسائر قطاع الأسمنت ذات طبيعة خاصة، ولكن خسائر البتروكيماويات بقيادة سابك التي خسرت 12.5% ليعطي إشارات إلى وجود تأثير حقيقي للأزمة أو أسعار النفط على القطاع، أيضا البنوك التي حققت معدلا مرتفعا من التذبذب هذا الأسبوع.. لذلك، فإنه يمكن القول إن التراجع في أسعار الشركات القيادية القديمة في السوق يعود لسببين: (1) تأثرا بالأزمة العالمية (2) وجود تضخم في أسعارها يتم تصحيحه الآن بشكل أو بآخر.. أما التأثير النفسي فلا يطلق إلا على الشركات الاستثمارية المطروحة حديثا في السوق والتي تراجعت مستويات أسعارها تأثراً بعوامل نفسية فقط. لذلك، فإن إطلاق وتعميم التأثر النفسي لا يبدو صحيحا أو لا يمكن أن يكون في مصلحة السوق، وخاصة عندما يصل الأمر إلى مستويات مايو 2004، وهو المستوى الذي بدأ يشعر معه الكثير من كبار الملاك بالخطر، وربما يجبرهم على التصريف.
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com