Al Jazirah NewsPaper Friday  31/10/2008 G Issue 13182
الجمعة 03 ذو القعدة 1429   العدد  13182
التمر.. مقابل النفط..
المهندس عبدالعزيز بن محمد السحيباني

في الأيام الماضية ازداد تسويق التمور.. وفي معظم مدن المملكة تقام المهرجانات التسويقية وتتنافس كل مدينة مع الأخرى على زيادة العرض وجودة الأصناف.. وهذا بحد ذاته شيء رائع لزيادة الاهتمام بالنخلة وتمورها لتكون مصدرا لدخل هذه البلاد فقد عاش العربي في جزيرة العرب وعاشت معه النخلة تلك النبتة الممشوقة القوام.. ذات الفرع الممدود في السماء والأصل الثابت.. هذه الشجرة هي رمز شموخ العربي وعزته.. نراها في كل صقع من العالم العربي.. ترمز إلى العربي وإلى عزته.. شجرة من أقوى الشجر وأكثرها تحملا للحرارة والتصحر.. نراها في لواهب القيظ خضراء سامقة في الصحاري.. أثنى عليها الله جل جلاله في كتابه الكريم.. مع ما تتلقاه من عطش وسموم ورياح إلا أنها تعطي ثمرا لذيذا ولا أطيب.. وتعطي عطاء يفوق ما ننفقه عليها.. تعطينا التمور والحلوى والرطب.. والحطب والسعف الذي يصنع من الحصر.. حتى إذا أعطيناها ماء مالحا وزرعناها في السباخ والصحاري المجدبة الجافة.. إنها نخلة العرب التي يجب أن يقوم عليها اقتصادهم.. إنها النخلة التي يجب أن يلتفتوا إلى زراعتها.. فهي غذاؤهم وهي زادهم.. وهي مالهم.. وهي اقتصادهم.. ولا غرو في ذلك فإن جزيرة العرب وبالتحديد جزيرة دارين أو تاروت ومنطقة الخليج العربي هي منشأ النخلة التي انتقل منها النخل إلى مختلف أنحاء العالم.. بل إن بعض الدول تعتمد على النخلة في اقتصادها ومن الممكن لدينا أن يكون التمر بديلا عن النفط.. إذا زدنا من الاهتمام بزراعة النخلة واقتصادياتها. المملكة أصبحت تحتل المركز الأول في إنتاج وزراعة التمور والنخيل جاء ذلك في كتاب (طبائع النخيل ومعاملاتها) تأليف أديب حائل سعد بن خلف العفنان حيث ذكر ملخصا لبحث خبير عراقي قدم لندوة النخيل العالمية الثالثة المنعقدة بجامعة الملك فيصل بالأحساء خلال الفترة من (17 - 20) يناير عام 1993م، ذكر فيه أن زراعة النخيل في المملكة سجلت معدل نمو ثابتاً بلغ 10% في حين لم تتجاوز أعلى معدلات النمو في الأقطار العربية الأخرى 2% بل إن العراق الذي كان يحتل المرتبة الأولى في زراعة النخيل وإنتاج التمور تراجع إلى الوراء بسبب عوامل عدم الاستقرار التي مر بها. ويقدر عدد النخيل حاليا في المملكة بحوالي 20 مليون نخلة منتجة تتوزع بين مناطق المملكة المختلفة وأشهر مناطق المملكة في إنتاج التمور (الأحساء - القصيم - المدينة - بيشة - حائل - الجوف- القطيف - الخرج - سدير - الزلفي). وهذه المناطق تنتج أنواعا مختلفة من النخيل أشهرها (السكري - البرحي - الشقراء - المكتومي - أم الحمام - السلج - الصقعي - الرزيزاء - الونانة - الروثانة - نبتة علي - أم كبار - الفنخاء - الحلوة - نبتة سيف) وغيرها من أنواع التمور التي تشتهر بها كل مناطق المملكة.

وأريد أن أتناول اقتصاديات زراعة النخيل من عدة محاور:

أولاً: المملكة العربية السعودية تحتل حاليا المركز الأول في زراعة النخيل وإنتاج التمور.. وحسب التقديرات فإن لدينا حاليا 20 مليون نخلة وبمعدل زيادة سنوية كبيرة (10%) أي مليوني نخلة (نسبة إلى 20 مليون) ولنقل إن الزيادة بمعدل مليوني نخلة سنويا وهذه نسبة كبيرة جدا. وهذه الزيادة ربما ترجع إلى أن الطلب على التمور ثابت أو يزداد على الرغم من زيادة الإنتاج (أي أن الطلب أكثر من العرض) وأعتقد أن العرض لن يتمكن من سد حاجة الطلب حتى لسنوات قادمة وذلك بسبب الاستهلاك الكبير للتمور وذلك لأن المملكة تحتل المركز الأول في استهلاك التمور حيث بلغ متوسط نصيب الفرد السنوي من التمور 40 كيلو جراما (كتاب النخلة العربية - تأليف عبدالرحمن بن زيد السويداء). ويرجع ذلك إلى أن التمور أصبحت جزءا من عادات وتقاليد العربي في الجزيرة العربية فلا غنى عنها في غذائه اليومي كما ارتبطت بالمناسبات الدينية كرمضان حيث إن أفضل ما يفطر عليه الصائم هو التمر.. وزيادة استهلاك التمور في المملكة لا شك أنها ظاهرة صحية في مواجهة ما تنتجه المصانع من حلويات وسكريات. وحيث ظهرت أساليب حديثة لحفظ التمور كالتبريد في الثلاجة التي تحفظ التمر طازجا على مدار العام مما سهل أساليب حفظه وزاد من الإقبال عليه حتى بين الطبقات العليا في المجتمع.

وهنا يجب أن نلاحظ أن متوسط إنتاجية النخلة في المملكة العربية السعودية يقرب من (36.6) كيلو جراما ونصيب الفرد السنوي من التمور استهلاكا = 40 كيلو جراما ويجب أن نلاحظ أن عدد سكان المملكة يقرب من 20 مليون نسمة وعدد النخيل 20 مليون نخلة أي أن عدد السكان = عدد النخيل ولنقل إن هناك نخلة لكل فرد من السكان.. معنى هذا أنه إذا لم يزدد عدد النخيل فسيكون هناك عجز في حاجة المملكة من التمور يسد بالاستيراد.. وهذا غير منطقي أن دولة منتجة للتمور تقوم باستيرادها - فما بالكم إذا أردنا أن تكون دولة مصدرة للتمور تعتمد على التمور في اقتصادها.

ثانياً: قد يقول البعض إن زيادة عدد النخيل سيكون كارثة على المياه الجوفية ولكن نقول له إن النخلة ولله الحمد شجرة صحراوية تتحمل العطش في الصحاري اللاهبة وهي ليست بحاجة إلى السقي يوميا أو حتى أسبوعيا.. فهي ليست كالخضار.. أو القمح أو الأعلاف التي تحتاج إلى سقي يومي وبمياه وفيرة.. إن الاقتصاد في استهلاك المياه شيء مطلوب ولكن يجب أن نعمل بقاعدة لا ضرر ولا ضرار.. أي لا تضر بمخزون المياه الجوفية.. ولا تضر بحاجة السوق من التمور.. إن النخيل ليست متهمة باستهلاك كميات كبيرة من المياه.. بدليل أنها تعيش في الدرع العربي شحيح المياه.. وما تمور المدينة الكثيرة اللذيذة إلا دليل على ذلك.. نرى بساتين النخيل شامخة في كل بقعة من الدرع العربي.. بل ونعيش في شغاف الجبال ويكن أن تزرع زراعة (بعليّة) أي على مياه الأمطار فقط.. وهذه النخيل تنتج تمرا من أطيب أنواع التمور اعتمادا على مياه سطحية فقط من مياه الأمطار التي يمكن استخراجها من آبار سطحية لا تصل إلى المياه الجوفية وتغذي هذه النخيل صيفا.

وعلى هذا فإنني أرى أن يتم تشجيع زراعة النخيل في الدرع العربي (حيث لا خطر على مخزون المياه الجوفية غير المتجددة) وتحمل النخيل للعطش وجودتها في هذه المنطقة واستقلال مياه الأمطار التي تذهب هدرا في صحاري الدرع العربي أو تتبخر في الصيف حيث إنها مياه قليلة العمق. ولكن مهلا حتى لو فرضنا أن جميع النخيل لدينا (20 مليون نخلة) تعتمد في ريها على المياه الجوفية غير المتجددة فإن استهلاك النخيل للمياه (ما تحتاجه النخلة فعلا والذي يجب أن يتم تطبيقه) هو جزء قليل لا يمثل شيئا بالنسبة للاستهلاك السنوي للزراعة ويمثل 5% تقريبا من استهلاك المياه لأغراض الزراعة. وقد يسأل البعض كيف ذلك؟ نقول له ذكر الخبير الزراعي (Harris) عام 1955م أن زراعة النخيل في المملكة العربية السعودية (القطيف) تحتوي على نخيل متقاربة وبمعدل حوالي 250 نخلة في الهكتار يتم ريها بحوالي 13250م3 - سنة أي أن نصيب النخلة السنوي يجب أن يكون حوالي 53م3 - نخلة. وهذه الحصة هي ما تحتاجه النخلة فعلا للنمو المتوازن بدون زيادة أو نقص - ونلاحظ هنا أن الري الزائد للنخلة ذو أثر سلبي على التمور التي تحتوي على نسبة كبيرة من الماء لا يمكنها النفاذ من الثمرة فتحبس بين لب التمور وقشرها مسببة ما يسمى ب(التجليد).. ولو أجرينا حسابا بسيطا لما تحتاجه 20 مليون نخلة سنويا من المياه لوجدنا أنه 20 مليون نخلة ? 53م3 - سنة= 1060 مليون م3 - سنة أي ما يزيد قليلا على مليار م3 من المياه.. ولكن الاستهلاك السنوي من المياه لأغراض الزراعة (18718 مليون م3 الطخيس، 1997م). ونسبة استهلاك النخيل لا تمثل إلا 5% تقريبا من هذه النسبة التي يذهب أغلبها للقمح والأعلاف. مع أهمية ما سبقت الإشارة إليه من اعتماد النخيل وجودتها على مياه الأمطار بل إن الأنواع الفاخرة من التمور هي ما يعيش على مياه الأمطار التي يجب دراسة استغلالها لزراعة النخيل.

ثالثاً: حسب بعض المصادر فإن الاستثمار السنوي في التمور يقرب من 14 مليار ريال وهي قطاع منتج ومفيد للاقتصاد حيث إن التمور يستهلكها كل منزل بخلاف القمح أو الأعلاف حيث إن القمح تحتاجه المخابز فقط. أما التمور فهي بحاجة إلى تسويق في أسواق المدن ويمكن أن يكون هناك محلات متخصصة في بيع وتخزين التمور توظف شبابا سعوديا وبالتالي تكوين قطاع زراعي منتج ومفيد للاقتصاد الوطني وذي أثر محدود على مخزون المياه الجوفية.

والذي أقترحه هو تكوين شركات لتسويق التمور في كل منطقة تقوم بجنيها وحفظها وتبريدها وتنظيفها وخزنها بطرق فنية وتسويقها وبالتالي لتحريك قطاعات أخرى وتوظيف مزيد من الشباب السعودي في هذا القطاع.

إنني أتمنى أن تلتفت وزارة الزراعة لهذا بالتنسيق مع وزارة المياه ويمكن عقد مؤتمر وطني حول النخيل لبحث مستقبلها ودورها في الاقتصاد الوطني لتكون مصدرا مثل النفط.

البدائع



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد