عندما تعلن إحدى الشركات الصناعية على سبيل المثال إفلاسها فإن ذلك يبدو مألوفاً، إما لتدني مستوى جودة المنتجات أو لظهور منتجات بديلة أكثر جدوى أو لظهور منافس من بيئة اقتصادية مختلفة يعرض أسعار منافسة بشكل كبير لتدني أجور الأيدي العاملة مثلاً، كما فعلت كثير من الشركات الصينية مع منافساتها من الشركات الأمريكية والأوروبية؛ ما أثار حرباً إعلامية واقتصادية اتُهِمَت فيه الصين بإغراق الأسواق المستهلكة بمنتجاتها؛ الأمر الذي حدا بالشركات الأوروبية والأمريكية إلى نقل العديد من مصانعها إلى الصين. أقول يبدو ذلك مألوفاً للشركات، إلا أن الأمر حينما يصل إلى إفلاس المصارف أو شح السيولة لديها فإنه يبدأ بتهديد الاقتصاد الكلي لأي منظومة اقتصادية، كون المصارف تمثل حجر الزاوية فيما يعرف بحجر الدومين الذي متى سقط فإنه يهدد بسقوط أطراف أخرى حتى وإن كانت هذه الأطراف تعيش استقراراً ماليّاً. وهنا تكمن أهمية القطاع المصرفي في أي اقتصاد عالمي مهما كان حجمه، فالأفراد والشركات في مستوى واحد من المخاطر عند تعرض المصارف لأي أزمة مالية؛ لذا فالحكومات ممثلةً في البنوك المركزية مسؤولة إلى حدٍ كبير عن الممارسات التي تتم داخل المصارف وفرض قوانين صارمة خصوصاً في مجالي الإقراض والتأمين؛ كونها عالية المخاطر مقارنةً بمجالات الاستثمار الأخرى. وفي القرنين الأخيرين بالغت الكثير من المصارف خصوصاً الأمريكية في إدارة السيولة وفق نظرية إدارة الخصوم LIABILITY MANAGEMENT التي تقوم على أنه بمستطاع المصرف التجاري المحافظة على سيولته من خلال شراء الأموال من الأسواق المالية لتلبية حاجته للإقراض، أو لمواجهة طلبات المودعين، وبالتالي فإن مفهوم السيولة وفق هذه النظرية يقوم على أساس قدرة المصرف على جذب أموال جديدة، وليس الاعتماد على سيولة الأصول؛ ما يعني احتمالية تعرض المصرف لشح السيولة في حال زادت الحاجة إليها عند المصارف أو الأسواق المالية. وبالرغم من الإجراءات الصارمة التي تفرضها مؤسسة النقد في السعودية على أنشطة المصارف إلا أن هناك مصارف بالغت هي الأخرى في استخدام هذه النظرية؛ ما انعكس سلباً على نتائجها خلال العامين الماضيين، إلا أنه لا تزال أمام هذه المصارف فرصة كبيرة لتغيير أسلوبها في إدارة السيولة؛ كون هذا القطاع لم يتعرض لخسائر كبيرة من جرّاء الأزمة العالمية من جهة، ولاستمرار تدفق السيولة عليه من خلال القروض طويلة الأجل من جهة أخرى. إنّ القائمين على إدارة سيولة المصارف يجب أن يحافظوا على حجم الأصول السائلة التي تفي بالتزاماتها، ويمكن ذلك باللجوء إلى القروض التجارية في ظل تسارع المشاريع المقامة حاليّاً وكذلك نقل الأصول طالما أن الأصول العقارية ما زالت تتمتع بدرجة أمان عالية، على المدى المتوسط الذي يتوقع فيه انحسار الأزمة العالمية.
كاتب اقتصادي ومحلل فني
Muqbel.sl@hotmail.com