الحج رحلة من أشرف الرحلات يهجر المسلم أهله وولده ويبذل ماله وجهده، رجاء التقرب إلى الله وتحصيل الثواب والأجر منه جل وعلا.. قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (27-29)سورة الحج.
بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات أنه دعا عباده للحج ليشهدوا منافع لهم، ثم ذكر سبحانه منها أربع منافع:
الأولى: ذكر الله عز وجل في الأيام المعلومات وهي عشر ذي الحجة وأيام التشريق.
الثانية، والثالثة، والرابعة: أخبر عنها سبحانه بقوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}.. وأعظم هذه المنافع وأكبرها شأنا ما يشهده الحاج من توجه القلوب إلى الله سبحانه والإقبال عليه والإكثار من ذكره بالتلبية وغيرها من أنواع الذكر، وهذا يتضمن الإخلاص لله في العبادة وتعظيم حرماته والتفكير في كل ما يقرب إليه ويباعد من غضبه. والمنافع التي يشهدها الحجيج كثيرة أعظم وأكبر من أن تعد وتحصى فهي الفريضة التي تلتقي فيها الدنيا والآخرة كما تلتقي فيها ذكريات العقيدة البعيدة والقريبة.. فمن منافع الحج وفوائده العظيمة:
* تحقيق تقوى الله سبحانه وتعالى، فالتقوى هي الغاية من مناسك الحج وشعائره، يقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}(32) سورة الحج. وهذه المناسك والشعائر ما هي إلا رموز تعبيرية عن التوجه إلى رب البيت وطاعته.
* أنه يذكر بالآخرة ووقوف العباد بين يدي الله يوم القيامة، في صعيد واحد حفاة عراة غرلا خائفين وجلين مشفقين، وذلك مما يبعث في نفس الحاج خوف الله ومراقبته والإخلاص له في العمل فيستشعر مسؤوليته وخطورة موقفه أمام الله في ذلك اليوم.
* الحج يتضمن العديد من العبادات يؤديها الحاج في المشاعر المقدسة كالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، والصلاة في المسجد الحرام ورمي الجمار، والوقوف بعرفة ومزدلفة وما يتخلل ذلك من الإكثار من الدعاء والاستغفار وكل هذه الأمور تزود الحاج بجرعات إيمانية ويناله الأجر العظيم نظراً لشرف المكان والزمان.
* الحج يربي المسلم على الأخلاق الفاضلة، يقول تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ}(197) سورة البقرة.
* من منافع الحج الارتباط بالجماعة المسلمة المبني على الأخوة الإيمانية حيث تجمعهم عقيدة واحدة تتوارى في ظلها فوارق الأجناس والألوان والأوطان حيث تتجلى وحدة الصبر والغاية، وإعادة الثقة في إمكانية ترابط المسلمين تحت راية التوحيد.
* الحج يمنح المسلم شعورا بالعزة والكرامة المستمدة من الاعتزاز بالله لأنه أكبر من كل كبير وأعظم من كل عظيم.
* في الحج يكتسب المسلم ثراء معرفيا بإضافة معالم وأماكن ومشاعر إلى فكر الحاج، كما أن فيها دعوة للتفقه في الدين والسؤال عما أشكل عليه حتى يعبد ربه على بصيرة وينتج عن ذلك توجيهه لمن تحت يده إلى طاعة الله ورسوله وإلزامهم بالحق، فيرجع إلى بلاده وقد تزود بالعلم والخير، خاصة لمن يشهد حلقات العلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمشاعر ويصغي إلى الدعاة إلى الله سبحانه ويحرص على الاستفادة من نصائحهم وتوجيههم.
* الحج مؤتمر اجتماع وتعارف وتشاور، ومؤتمر تنسيق وتعاون بين المسلمين قاطبة، يتبادلون العلوم والمعارف والتجارب والمنافع بينهم، وذلك مرة في كل عام، في ظل الله وبالقرب من بيت الله، في أنسب مكان وأنسب زمان وأنسب جو.
* تتجلى في الحج أسمى مظاهر العناية بحقوق الإنسان ففيه وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم ميثاق لحقوق الإنسان بقوله: (إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا).
* في الحج تعويد للمسلم على الصبر والتحمل حيث المشقة الجسدية خلال أداء الفريضة والتنقل بين المشاعر وما يتطلبه من المشي لمسافات طويلة والرمي والطواف والنحر وغير ذلك.
* الحج يبرز وحدة المسلمين وقوتهم ونظامهم مما يرغب غير المسلمين للدخول فيه، كما أن فيه زرعا للرهبة في قلوب أعداء الإسلام والحاقدين عليه.
* الحج موسم اقتصادي حيث يجد أصحاب السلع والتجارة في موسم الحج سوقا رائجة لعرض خيرات بلادهم، فهو موسم تجارة ومعرض نتاج، وسوق عالمية تقام كل عام.
وفوق ذلك فالحج مدرسة تربوية عظيمة تربي المسلم روحيا وجسديا وعقليا وأخلاقيا واجتماعيا بل إنه تربية اقتصادية، فيعود المسلم من حجه وقد نال خيري الدنيا والآخرة.
* جامعة البنات بالرياض