في مساء الأحد الرابع عشر من شهر رمضان عام 1429هـ كان الوداع؛ فقد ذهب الشبل معاذ مع أخيه ولم يدر أنه لن يرجع إلى المنزل.. وتم القضاء واقتضت حكمة الخالق سبحانه أن يقبض روح هذا الغلام.. ولكن فقده لم يكن هيناً على أبي مصعب، ذلك الوالد الرحيم البشوش، ذلك القدوة في الخير، إمامة المسجد والبر بالوالدين وصلة الرحم والكرم وبذل المعروف وغيرها |
وعلى هذه الخصال الحميد تربى معاذ ولذلك كان فقده صعباً ووداعه حزيناً، وقد تميز بتقليده لوالده في تلك الخصال وغيرها وكان غرة في جبين الأسرة كلها. |
أما أنا فقد عرفته في منزل صديقي وجاري وأخي خالد يقابلني بكل احترام وتقدير، يحسن التحية والترحيب، خفيف النفس، جلداً على العمل وخدمة والده، وحينما يكون معنا كتاب نقرأ فيه يأخذ معاذ نسخة من الكتاب ليتابع معنا بكل لهفة وشوق رغم صغر سنه!! |
يوم جاءتني الرسالة الهاتفية تفيد أنه توفي والصلاة عليه غدا ذُهلت للخبر ولكنني قلت خير ما يقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. |
واليوم وقد أصبح معاذ تحت الثرى ونحن فوقه أذكر نفسي كما أذكر والده بما رواه الترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسَمُّوه بيت الحمد). وما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صَفِيَّه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة). |
إن الناس كلهم سيموتون كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء، ولكن الذي يُفقدهم الصالحون، وكم من الناس من يفرح الناس بموته.. وإنني أعد معاذا ممن يُفقد للخصال الحميدة التي أشرت إليها وأهمها: حرصه على الصلاة الفريضة والنافلة، وتلاوته للقرآن الكريم وسعيه لحفظه، وبر الوالدين، وخفة النفس وحب العمل، والأدب الجم في التعامل مع كل من يراه أو يزور بيت والده.. لكل ذلك يُفقد معاذ وأمثاله.. وأقول لإخوته وغيرهم تلك هي شيم الكرام فالتزموها وخصال الرجولة فاحرصوا عليها. وفقكم الله ويسرَّ أموركم. |
أما والدي معاذ فأذكرهما بما ورد في الحديثين السابقين وأسأل الله تعالى أن يكون سابقهما إلى الجنة وشفيعاً لهما فيها.. وأنت يا أبا مصعب تذكر نعمة الله عليك فقد أعطاك خمسة أبناء وأخذ واحداً ولله ما أخذ وله ما أعطى، وخَصَّك بذلك في شهر رمضان ومعاذ ذهب وأنت راضٍ عنه وهو يصوم النهار ويقوم معك في الليل رغم صغر سنه، فأبشر بالأجر العظيم إن شاء الله. |
ولست أول مصاب في هذه الدنيا فقبلك فَقَدَ خاتمُ المرسلين ابنه إبراهيم. وعشرات الآباء فقدوا أولادهم. وهذا أخونا الدكتور عدنان النحوي يرسم في قصيدته في رثاء ابنه مشاعرك ومشاعر كل أب فيقول: |
إيادٌ وكنت تجيب النداء |
وتسرع راكضاً إلى مطلبي |
فما بالك اليوم لا تستجيب |
وعهدي ببرك لم يكذب |
وكنت تجيب نداء الصلاة |
فهذا النداء، فقم وارغب |
صدقت! أجبت نداءً أجلَّ |
وقمت إلى منزل أطيب |
إلى رحمة الله عقبى التَّقيِّ |
إذا جدَّ في السَّعي والمذهب |
بُنَيّ يُخففّ من لوعتي |
حُنُوُّ المعزِّي حنو الأب |
يقول المعزون: نعم الفتى |
تقي السجية والمنقب |
فيجزيهم الله خير الجزاء |
بأجرٍ غني الرضا معقب |
|
أعظم الله أجرك، وعوضكم خيراً وأصلح من بقي من الأبناء والبنات وجعلهم قُرة لعيونكم وجمعنا بأمواتنا في جنات النعيم إنه سميع قريب مجيب. |
|
|
|
|
|
|
|